للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من تلبيس إبليس تشويه الدعاة إلى الله]

أحبابنا! إخواننا! كيف يلبِّس الشيطان علينا حتى يجعلنا نتقاعس عن الدعوة إلى الله، ونتكاسل عن المشاركة في الأمر بما يرضي الله؟! كيف يلبِّس الشيطان علينا ليدعونا إلى عدم إنكار المنكر، وإلى عدم الأمر بالمعروف؟! بل وأعظم من ذلك: كيف يلبِّس الشيطان علينا ليقول بعضُنا لبعض: انظر إلى هؤلاء المَطاوِعة! انظر إلى هؤلاء الدعاة! انظر إلى هؤلاء الذين؟! هؤلاء الذين ماذا؟! هل نافستهم في روضة المسجد؟! هل نافستهم في حفظ القرآن؟! هل نافستهم في قيام الليل؟! هل نافستهم في صيام الإثنين والخميس؟! هل نافستهم في الخروج، والدعوة إلى الله؟! هل نافستهم؟! لا.

لا يقول لك الشيطان: انظر إلى هؤلاء الذين سبقوك في العبادة والصيام والقيام، والدعوة والإنكار، والأمر المعروف، لا.

وإنما يقول: انظر إلى هؤلاء.

ثم يبدأ تلبيس الشيطان.

يقول لك الشيطان: إن هؤلاء (المَطاوِعة) لهم أهداف.

إن هؤلاء (المَطاوِعة) لهم مقاصد.

إن هؤلاء (المَطاوِعة) يخططون على أشياء بعيدة.

إن هؤلاء (المَطاوِعة) عندهم وعندهم كذا.

أقول: حياك الله! تعال وانظر ما عند (المَطاوِعة) هل يمتلكون طائرةَ ( F ١٦) في البيت! واضعون طائرة (تُرْنِيدو) دفاعية أو مقاتلة! أو طائرة هجومية! أو في بيت الواحد مدفعية ميدان! أو صاروخ مضاد للطائرات! أو قانص دبابات من طراز أباتشي! أو كاسحة ألغام فرنسية؟! ماذا يوجد عند (المطاوعة) في بيوتهم؟! تعال وادخل بيتهم، ستجد قرآناً كريماً تفسير ابن كثير تفسير الطبري فتح الباري صحيح مسلم كشف الشبهات آداب المشي إلى الصلاة سنن أبي داود تحذير الساجد من اتخاذ البدع والقبور في المساجد، ستجد كتب العلم.

إذاً: إذا جاءك الشيطان ليلبِّس عليك أمراًَ يدعوك من خلاله لأن تكون من القاعدين، أو المتكاسلين، بل يأتيك الشيطان، يا ليته يقول لك: اسكت، مثلما يقول العوام: (انْثَبِر)! لا.

يأتيك الشيطان ويقول: هؤلاء ينبغي أن تحذِّر منهم، هؤلاء ينبغي أن تتابعهم، هؤلاء ينبغي أن تنتبه لهم، أما متابعتهم فحياك الله! أما متابعة أهل الخير فحياك الله، مثلما يقول العوام: (ما يخاف إلا الذي في بطنه نِيْ، والذي في بطنه مِعِيِّن يُوْجِعَه)! أهلاً وسهلاً، تابع من شئتَ، ولاحق من شئتَ، وفتش من شئتَ، ستجد ما يعينك بإذن الله.

مثلما يقولون: إن لصاًَ من اللصوص تسوَّر على بيت رجل من العلماء فسرق صندوقاً لا يدري ما الذي فيه، فلما ذهب إلى البيت وفتح الصندوق وجد كتباً، فقرأها فتاب واهتدى، فنقول: حيا الله من تابع هؤلاء الدعاة، وحيا الله من تابع الإخوان، وحيا الله من تابع أهل الخير، وحيا الله من تابع أهل الإيمان، حياك الله وبياك وبارك فيك، تابعهم، وإني أجزم أن متابعتك لهم ولو كان قصدك شيئاً غير الهداية ستكون نهايتك الهداية، كما في الحديث: (إن لله ملائكة سيَّارين طوَّافين يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقة من حلق الذكر نادى الملائكةُ بعضُهم بعضاً أن هلموا، فيجتمعون، ثم يسألهم ربهم وهو أعلم بهم، ويقول ربنا: يا ملائكتي) الآن أنتم في هذه الروضة من رياض الجنة، الملائكة تحفكم، والسكينة تغشاكم، والرحمة تتنزل عليكم، والرب جلَّ وعَلا يذكركم في الملأ الأعلى.

واللهِ -يا إخوان- لو قلت لأحدكم: إني البارحة مع الأمير الفلاني أو الوزير الفلاني وذكرنا فلاناً، أو شيخ الفخذ الفلاني، لقال: أسألك بالله، الأمير، الوزير سماني باسمي؟! أعِد لو سمحت! أعِد لو سمحت! ماذا قال عني؟! فيا أخي الحبيب! أقول لك ما قاله الله عنه: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير من ملئه) فأنتم الآن تذكرون الله في هذا المكان، والله يذكركم في الملأ الأعلى.

أحبابنا! أكمِّل الحديث لكم في شأن الذين يوسوس لهم الشيطان، ويقول: هؤلاء عندهم أهداف، هؤلاء المَطاوِعة وراءهم مقاصد وراءهم مَطالب، نقول: سيكون شأن من لاحقهم وتابعهم -وحياه الله، ومكانه العين والرأس- فيكون موقعه كما جاء في الحديث: (يسأل ربنا ملائكته وهو أعلم بهم ويقول: يا ملائكتي! علامَ اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمعوا يذكرونك، ويشكرونك، ويسألونك، ويستعيذونك، فيقول الله: يا ملائكتي! وماذا يسألونني؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! إنهم يسألونك الجنة) الجنة!

يا سلعة الرحمن لستِ رخيصة بل أنت غالية على الكسلانِ

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ

يا سلعة الرحمن كيف تصبَّر الـ ـخُطَّاب عنكِ وهم ذوو إيمانِ

(تقول الملائكة: يا ربنا! يسألونك الجنة، فيقول الله: يا ملائكتي! وهل رأى عبادي هؤلاء جنتي؟ فتقول الملائكة: لا، فيقول الله: وكيف لو رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً، فيقول الله جلَّ وعَلا: يا ملائكتي! ومم يستعيذون؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! يستعيذون من نارك، فيقول الله: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا.

فيقول الله: وكيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً، فيقول الله جلَّ وعَلا: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرتُ لهم) وأبشركم وأبشر الحاضرين، من جاء إلى هذه المحاضرة يريد وجه الله، وأخلص النية لله، وسأل الله التوبة والمغفرة، ليخرجنَّ -برحمة الله، ثقةً بالله، تصديقاًَ بكلام رسول الله- ليخرجنَّ مع هذا الباب من المسجد شباب ورجال بدون ذنوب، بإذن الله، تصديقاًَ بوعد الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(فيقول الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرتُ لهم جميعاً، فتقول الملائكة: يا ربنا! إن فيهم فلان بن فلان إنما جاء لأمر آخر، فيقول الله: وله غفرتُ معهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).