للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلمانيون وموقفهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

لا يمكن أن يُترك الوضع لكي يقول قائل: من أراد أن يفسد فليفسد، ومن أراد أن يتديَّن فليتديَّن، من أراد أن يفجر فليفجر، ومن أراد أن يطلب العلم فليطلب العلم، لا.

الله جلَّ وعَلا قال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١] إن مكناهم، حكاماً ومحكومين، أنتم الآن متمكنون في الأرض: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:٢٩] من يرد عنا العذاب إن جاءنا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! لا يُقْبَل قول مَن قال: من أراد أن يفسد فليفسد، وكلٌّ ذنبه على جنبه، ومن أراد أن يصْلُح فليصْلُح، لا.

إنما {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:٤١] ماذا؟ {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} [الحج:٤١] بكل معروف تُرِكَ {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١] نهوا عن كل منكر فُعِلَ.

هكذا شأن أمة الإسلام، هكذا شأن أمة الإيمان، وواللهِ ما دفع الله عنكم البلاء إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقول طاغوت العراق الخنزير النجس/ صدام حسين: إن ندمتُ على شيء فإنما أندم على أمرين: الأمر الأول قال فيه: أنني خالفتُ طارق عزيز.

ومن هو طارق عزيز؟ هذا كهامان بالنسبة لفرعون.

لماذا خالفه؟ قال: لأنه نصحني وقال: إن تقدمت إلى الكويت فلا تقف إلا في آخر الجبيل.

يا إخوان: ما الذي صدَّ عنكم هذا الطاغية وهو يملك أربعمائة وخمسين ألف جندي، منهم: قرابة ثلاثمائة ألف جندي من الحرس الخاص أو البعثيين المدرَّبين المنظَّمين؟! ما الذي دفعَه عنكم؟! الله، الله، الله، نبرأ إلى الله من كل دبابة، ومن كل صاروخ، ومن كل قنبلة، ومن كل جندي، نبدأ بالله، فله الفضل، ثم له الفضل أن نفع بهذه الدبابة، وذلك الصاروخ، وذلك الجندي، وسخر أقواماً لا تعلمونهم، ودفع عنا وعنكم البلاء، بماذا؟ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولذلك يا إخوان، لا تترددوا، لا تترددوا في إنكار المنكرات، إن كنت الآن في مزارع، وفي نعم، ورشاشات (ري محوري (٨) أبراج ماركة (فالي) ( Faly)، أو من هذه النعم التي تتدفق عليك من كل نوع، أقول لك: إذا أردت هذا الخير يصل إلى أولادك وأولاد أولادك وبناتك وأولاد بناتك، فأؤمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر؛ لأن العز والنعم والتقوى بالأمر بالمعروف.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:٩٦].

الله جلَّ وعَلا خزائنه لا تنفذ، الذي يملك مليوناً رب العالمين قادرٌ أن يعطيه مائة مليون، والذي يملك عشر رشاشات رب العالمين قادرٌ أن يعطيه ألف رشاش، والذي عنده كذا رب العالمين قادرٌ على أن يعطيه أكثر.

خزائن الله لا تنفذ؛ لكن بماذا تُفتح الخزائن؟ أتُفتح الخزائن بالمعاصي؟! أتُفتح الخزائن بالملاهي؟! أتُفتح الخزائن بالمنكرات؟! أتُفتح الخزائن بعداوة أولياء الله والدعاة إلى الله؟! تُفتح الخزائن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتُفتح الخزائن بالدعوة إلى الله، ونشر الخير في كل مكان، فإذا انتشر الخير ضاق الناس بالرزق.

في عهد عمر بن عبد العزيز: أرسل الولاة إلى الخليفة الخامس الراشد/ عمر بن عبد العزيز، قالوا: يا أمير المؤمنين! جبينا المال من أهل الذمة -من النصارى- وأعطينا المحتاجين، وصرفناه في جميع مصارف الزكاة -الفقراء، والمساكين، والمؤلفة قلوبهم، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، كل هؤلاء أعطيناهم- وبقي عندنا مال كثير ماذا نفعل بهذا المال؟ فقال عمر بن عبد العزيز: انظروا في بلاد المسلمين أيَّ شاب لم يتزوج زوجوه من بيت المال، المال كَثُرَ، الخيرات تدفقت، حتى أرسل الولاة إلى الخليفة يقولون: ماذا نفعل بالمال الباقي؟ فخزائن الله لا تنفذ، وخزائن الله ملأى، والله جلَّ وعَلا لو عصاه العباد ما ضره، ولو أطاعوه ما نفعه، ولو اجتمعوا في صعيد واحد كما جاء في الحديث: (يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).

إذاً: يا أحبابنا! لا يلبِّس علينا الشيطان، فنكون أذناباً للعلمانيين، ونكون أذناباً للذين يفرقون بيننا وبين مجتمعنا وولاة أمرنا ودعاتنا وعلمائنا.

يا أحبابنا إياكم أن تتقاعسوا عن الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً على أنفسكم، بل الخوف، الخوف الحقيقي: أن نقعد ونجمُد عن الأمر بالمعروف، ولذلك قال الله جلَّ وعَلا: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:١٩٥].

قال أحد الأنصار: فينا نزلت هذه الآية، لما فتح الله على نبيه قلنا: إن أهل المدينة أهل ضِياع -يعني: أهل مزارع؛ لكن ما عندهم رشاشات رضي الله عنهم- إن أهل المدينة أهل ضِياع، فلو أنَّا عدنا إلى ضِياعنا وبساتيننا، وكأن بعضهم قال: إن الله أعز الإسلام، وما هناك حاجة للنفقة في سبيل الله، فأنزل الله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:١٩٥] إنفاق المال ليس هو سبب التهلكة، بل عدم الإنفاق هو سبب التهلكة.

إذاًَ: فنحن على خطر إن تركنا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ونحن على خير، ورزق، وأمن، وعزة، وطمأنينة إن اشتركنا وتعاونا واجتهدنا في الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.