للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شباب مشغولون بالرياضة]

وفريق من الشباب مشغولون بالرياضة، مشغولون بالكرة وبالدوري وكأس العالم، ودوري الصعود والتصفيات، والمباريات الرباعية، والنهائي، ولا يقف الانشغال عند هذا الحد، قبل المباراة جلسات طويلة: ما رأيك من الذي سيسدد أهداف المباراة اليوم؟ ومن الذي سيفوز اليوم؟ وما هي خطة النادي في الهجوم على الأعداء أصحاب الفريق والآخر؟ وما ظنك أن يكون حظ هذا الفريق من النقاط؟ وهل يتأهل لدوري الصعود؟ وهل ينافس على الكأس؟ ولو سمعتم أو استرقتم السمع على شباب يتحاورون لربما وجدتم بعضهم يحلف بالطلاق، ويقسم بالعتاق، ويقول ألفاظاً عجيبة، وأيماناً غريبة من أجل تحليل وتحكيم وتقرير أحوال هذه المباراة، شغل شاغل، وأصوات مرتفعة، وجواب، وخطاب، وبرهان واعتراض ودليل، وكلام وحجة، والقضية كلها انشغال بلا مهمة، من أجل قطعة جلدية منفوخة تتبادلها الأقدام يمنة ويسرة، والجماهير المسكينة تهتف بأسماء اللاعبين، وتهتف بأسماء هذه الأندية، وبعضهم يشتد نَفَسُه، وتقف زفراته لحظة، خاصة إذا تعادل الفريقان، ولم يفز منهم أحد على الآخر، ثم وصل الأمر إلى درجة التنافس على تسديد الهجمات على الأبواب، رام وحارس يسدد هجمات على الباب، والآخر مثل ذلك، انظر حال الصمت والوجوم، حتى لو رمي بإبرة لسمع صوتها، في شدة هذه اللحظة التي وجمت فيها النفوس، واشرأبت فيها الأعناق، وشخصت فيها الأبصار، فالمسألة غريبة، ولو أن واحداً من هؤلاء المنشغلين بالمشهد يوم يجري اللاعب رويداً رويداً، ذو القدم الذهبية دنت إلى الكرة كقاب قوسين أو أدنى، إلى بوابة هذا المرمى، لو كلمه أحد لضربه وقال: دعنا ننظر النهاية.

مسألة خطيرة، وكأنما هي مُنصَرفة إلى جنة أو إلى نار، انشغال يبلغ حد اللب، والأخذ بالفؤاد والبصر والسمع، ولو سرق ما في جيبه، وسلب منه الشيء الكثير، والله ما علم من شدة انشغاله بهذا الحدث، ولكن ما هي النتيجة؟ انشغال بلا هوية.