للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة إلى المصارحة والحوار مع الشباب]

فإلى هؤلاء الشباب والشابات، وإلى أحبابنا وإخواننا الذين هم بضعة من مجتمعنا، وخفقة من أفئدتنا، ونبضة من دمائنا، إلى هؤلاء الشباب الذين ضاعت أوقاتهم على الشارع الأصفر، وعلى الطرق الدائرية، وفي الاستراحات إما سهر، أو ورق أو عزف أو قيل وقال أهذا أوانه ودماء المسلمين في البوسنة تسفك؟! أهذا زمانه ورقاب المسلمين في الهند تقطع؟! أهذا زمانه ورقاب المسلمين في مانيلا وكوسباتو والفليبين تقطع وتنحر؟! أو يجوز لعبد أن يشتغل بهذا وللمسلمين أعراض مغتصبة، ودماء سكيبة، ومدن مهدمة مكسوفة، وجلاء جماعي، وقتل عشوائي، وتشريد وتمثيل، واغتصاب حتى للصغيرات والأطفال والعفيفات؟! والله إن الواحد ليعجب! وأذكر ذات مرة كنا في مدينة مع بعض أحبابنا ومشايخنا الدعاة جزاهم الله خيراً، فلما انتهينا من محاضرة كنا في صددها، إذ بنا في تلك المدينة الصغيرة نجد عدداً من الشباب وقوفاً على ما يسمى (بالكاونتر) أو طاولة محل الفيديو، هذا يريد فيلماً هندياً، وهذا يريد فيلم كذا وكانت تلك الزيارة في بداية أحداث البوسنة والهرسك، فكدنا نتقطع ألماً! وما كأن الحدث يعني المسلمين بشيء يا عباد الله! لأن بيننا وبينهم جبال وبحار وأرض وفيافي وقفار لا يهمنا شأنهم، فدخل أحد الإخوة وقال: يا شباب الإسلام! والله لو لم نترك هذا امتثالاً لأمر الله ورسوله فلا أقل من أن نتركه حياءً أن يضحك هؤلاء العمال وربما بعضهم من الكفرة في محل الفيديو وهم يروننا نشتري أفلاماً هندية، فهذا هندي يعلم أن جماعته ينحرون المسلمين في بلاده، أما نستحي أن نشتري هذه الرقصة وهذا الغناء، وهذه الحفلات، والدماء والأعراض والبلاد والديار تهدر وتغتصب وتهدم؟! إن لم يكن خوفاً من الله، فلا أقل من أن نستحي، إذ أن الواقع لا يأذن بهذا، بالأمس خمر وغداً أمر، بالأمس سكرة واليوم وغداً فكرة، لماذا لا تحنكنا التجارب: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:١٢٦].

فيا شباب الإسلام: هلا فكرتم؟! قل تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا لنتناقش: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ:٤٦] هذه دعوة إلى الشباب، الذين يظن الواحد منهم أنه قد حلق في الثريا حينما يغلق زجاج سيارته على مكيف دافئ، ونغم هادئ، وصوت رخيم، وتجوال بطيء بين الشوارع، أو يجلس جلسة عزف أو لهو أو حديث أو تجوال في سوق لمعاكسة ونحوها: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ:٤٦].

تعال يا أخي! لأجلس معك جلسة الصراحة، لأجلس معك أو مع اثنين من أصحابك، وصارحني وأصارحك، قل لي بكل صراحة ما عندك، وأقول لك بكل صراحة ما عندي، إنك لتعجب من بعض الشباب، ذات يوم فيما يسمى بميد، مطعم من المطاعم أو محل من البقالات التي انتشرت، دخلت ذات يوم، فقام أحد الشباب وأشعل سيجارة، ففهمت أنه أشعلها قصداً، فتسوقت ما تسوقت من ذاك المكان وقلت له: أتسمح لي بالحديث معك؟ قال: نعم، تفضل، وكانت سيجارته في يده، فقلت له: اسمك الكريم.

قال: فلان من عائلة فلان.

جدك فلان وأبوك فلان؟ قال: نعم.

قلت: عائلة كريمة، أيليق بشفاه طاهرة تنطق بالشهادتين أن تتنجس بهذا الدخان؟! فاستحى ثم أطفأ سيجارته؟ ثم قال: في الحقيقة يا شيخ! أنا لما رأيتك قصدت إشعال السيجارة.

فقلت: لماذا يا أخي الكريم أشعلتها متقصداً؟ قال: لأن الهيئة بالأمس أخذوني وأنا ما فعلت شيئاً، سبحان الله! تغلط عليك الهيئة وتعاقبني أنا؟! هذا إن سلَّمنا أن الهيئة أخطأت عليك، لكني أريد أن أسألك ما هو الخطأ الذي ارتكبته الهيئة عليك؟ فإذا به يتسكع في الطريق في وقت الصلاة وهو مقيم صحيح لم يدخل المسجد، ولم يقم بالصلاة، فما الذي رده وما الذي منعه أن يدخل المسجد؟! أولما جاءته الهيئة وقادته إلى بيت الله، أو حدثوه بمكبر الصوت جعلها سبة وعاراً لنفسه، وأراد أن ينتقم بها من كل من يرى؟! ثم أخذنا ندور ونجول في الحديث، إلى أن قال لي: أسأل الله أن تكون توبة، ولا يلزم من ذلك أن يكون تائباً، قد يكون قالها أمامي، ولا يلزم أن نسمع هذه القصة فنقول: ما شاء الله! توبة صادقة، أو توبة صحيحة لمجرد كلمة أو كلمتين قف عند هذا.

أخي الحبيب نقول: إن هؤلاء الشباب الذين تسكعوا وجلسوا وانشغلوا بلا مهمة نريد أن نخاطبهم، وأن نكاشفهم، وأن نصارحهم، وأن نسألهم: كم جمعت من المال لزواجك؟ إن لم تكن مشغولاً بالدين وبالدعوة فلنسألك عن حجم اشتغالك بما ينفعك في دنياك، كم جمعت من المال لزواجك؟ كم أعددت، وماذا أعددت لبناء بيتك؟ ماذا فعلت لرفع قدراتك ومواهبك؟ ماذا أعددت لكي تحصل وظيفة مناسبة تنفعك في دينك ودنياك؟ ضياع في الدين والدنيا، خسار وبوار في الدنيا والآخرة بهذا الأمر الذي جعلوه ديدنهم وطبيعتهم وهجيراهم كما قال الشاعر:

وكل امرئ والله بالناس عالم له عادة قامت عليها شمائله

تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمر أوائله

إن بعض الشباب يتسكع ويدور، ويمتهن هذا الفراغ، وهذا الاشتغال في كرة وفن، ولهو وطرب، ورياضة، وجلسات وسهرات، ويقول: إذا جاوزنا الخامسة والعشرين تركناها، أو إذا جاوزنا الثلاثين تركناها، اعجبوا كل العجب من أقوام ادعوا ذلك فلم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً!

إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشب

أنت -أيها الشاب- قادر على تغيير مسار حياتك ما دامت قواك قوية دفاقة قادرة بإذن الله، وأنت عاجز إذا خارت منك القوى، واستحكمت فيك العادة، وغلبك الشيطان، وتحكمت بك الغفلات.

فإلى إخواننا الأكارم، وإلى شباب الإسلام: أليس في الدعوة إلى الله شغل؟ أليس في صلة الأرحام شغل؟ أليس في بر الوالدين شغل؟ أليس في حفظ الكتاب والسنة شغل؟ أليس في طلب العلم، والكسب الحلال، وحلق العلم، والجد والدراسة والمثابرة، والدورات التدريبية والمهنية، وما يفيدك على اكتساب صنعة نافعة، أليس في هذا شغل؟ بلى.

إذاً فما الذي أشغلك عن خير الدنيا والدين واشتغلت بما يضرك؟ أيها الأحبة: نعم.

إنها دنيا تفتحت علينا، وأموال تدفقت بين أيدينا، وأمور قد كفلت لنا، فما أصبح الشاب يجد عناء إيجاد شربة من ماء؛ لأن الصنابير تتدفق بهذه المياه، وما أصبح الشاب يجد عناء البحث عن الكسوة، ولا يجد عناء البحث عن اللقمة، فتهيأت الدنيا حتى استحكمت وبلغت بنا حد الترف، وهي علامات هلاك الأمم: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:١٦].