للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس]

إن الإنسان لم يخلق نفسه، ولم يخلق أولاده، ولم يخلق الأرض التي يدرج فوقها ولا السماء التي يعيش تحتها، ذلك الذي خلقه كله الله سبحانه وتعالى، فمن المقطوع به أن خلق الخلق وإيجاد الخلق من العدم لم ينتجها لنفسه إنسان ولا حيوان ولا جماد، ومن المقطوع به كذلك أن شيئاً لم يقع صدفة ولم يحدث من تلقاء نفسه، فمن الذي خلق الخلق؟ ومن الذي رفع السماء؟ ومن الذي نصب الجبال؟ من الذي بسط الأرض؟ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥ - ٣٦].

يقول سبحانه: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:١٧ - ٢٠].

هل فكرت في هذه الكواكب السيارة التي تملأ الفضاء، والتي تلتزم مداراً واحداً لا تنحرف عنه يميناً ولا شمالاً، هذه الكواكب تلتزم سرعة واحدة لا تبطئ فيها ولا تعجل، ثم نرتقبها في موعدها المحسوب فلا تخالف عنه أبداً.

إن الكرة تنطلق من أقدام اللاعبين ثم لا تلبث أن تهوي بعد تحليق، أما هذه الكرات الكواكب الغليظة الكبيرة الحجم المضيء منها والمعتم هي معلقة في السماء لا تسقط، سائرة لا تقف، كل واحد منها في دائرة لا يعدوها، قد يصطدم المشاة والركبان على الأرض وهم أصحاب بصر وعقل، أما هذه الكواكب التي تزحم الفضاء فإنها لا تزيغ ولا تصطدم {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٣٨ - ٤٠].

من الذي هيمن على نظام هذه الكواكب؟ ومن الذي أشرف على مدارها؟ بل من الذي أمسك بأجرامها الهائلة ودفعها تجري بهذه القوة الفائقة؟ {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [فاطر:٤١].

أما كلمة الجاذبية وتفسير بعض المتأخرين إذا سألوا عن كوكب أو عن أمر أو عن شيء من بديع صنع الله ومن أسرار خلق الله ومن دقيق إعجاز الله قالوا: إنها الجاذبية، لم يقولوا: إنها قدرة الله، ولم يقولوا: إنها قوة الله، ولم يقولوا: إنها حكمة الله، لكنهم يقولون: إنها الجاذبية.

والجاذبية كلمة دلالتها كدلالة أهل الرياضيات حينما يقولون سين عن المجهول رمز لقوانين يجهلونها، لكن الحقيقة تقول: إن هذه الكواكب رمز لقوانين تصرخ أنها من صنع الله وباسم الله، ولكن الصم لا يسمعون.