للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الله السميع البصير!]

ما من كلام يدور بين الناس، أو حديث يتجاذبون أطرافه إلا سمعه الله عز وجل قبل أي شيء، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثه في جانب البيت وليس بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة إلا الستر في حجرة عائشة، عائشة في باطن الحجرة ثم الستر، ثم المجادلة تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها الذي ظاهر منها تقول: يا رسول الله! هذا أوس قد ظاهر مني وبيني وبينه عيال، إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا، فأنزل الله عز وجل الآيات، تقول عائشة: والله ما سمعت كلامها وأنزل الله آية من فوق سبع سماوات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:١].

نعم أيها الأحبة: إنه سمع الله عز وجل الذي لا يخفى عليه شيء {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١] سبحانه ما تغيب عنه همسة وسط الضجيج، ولا تشتبه عليه لغة على اختلاف الألسنة، وهناك أصوات وأقوال يسمعها ويحبها (ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) وكما يحب الله صوت الوحي تتلوه الألسنة فإن الله يكره صوت الفحش والسوء {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} [النساء:١٤٨].

وكما أن الله يسمع كل شيء فهو شهيد على كل شيء، ورؤيته تنظر في أعماق الظلمات فتستشف كوامنها، فليس الله بحاجة إلى ضياء يبصر به الخفي، أو مكبر يعظم به الدقيق، كيف يحتاج وهو الذي خلق الظلمة والضياء، وهو الذي خلق السر والعلانية، وهو الذي خلق القريب والبعيد سبحانه! إذ كنت ثالث ثلاثة فاعلم أن الله عز وجل يبصر ما تفعلون، ويسمع ما تقولون: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧].

عندما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون توجس موسى وهارون من طغيان فرعون خيفة: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:٤٥] فقال سبحانه: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] إن الله معهما ومع كل كائن من بدء الخلق إلى قيام الساعة، وما قبل ذلك وما بعد ذلك يسمع ويرى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:٦١] الإحساس بهذه الحقيقة جزء من الدين بل هو قمة من قمم الدين ومرتبة من مراتب الدين والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

الله ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

هل يستطيع أحد في العالم، هل يستطيع كيان أو قوة أو دولة أو منظمة أو جيش أو سلطة أن يقدم أو يدعي أو يزعم أنه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟ لا وألف لا، إن الذي أعطى وهدى هو الله عز وجل، بهذا الكلام رد موسى كليم الله على فرعون عدو الله لما سأله فرعون بكل تجبر وطغيان، وهو في قرارة نفسه مؤمن بأن الذي أعطى، وأن الذي هدى، وأن الذي خلق هو الله، لكن كبرياءه وطغيانه وجبروته هي التي صدته أن يقر بذلك {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:١٤] ولذا قال موسى له: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:١٠٢].

إن موسى عليه السلام رد على سؤال فرعون، هذا السؤال الممتلئ جحوداً وتكبراً وإنكاراً لما سأل فرعون من ربكما، ما تعريفه، ما آثاره، ما هي الدلائل القائمة على وحدانيته، ما هي البراهين الساطعة على ألوهيته؟ يريد أن يتجبر، يريد أن يتكبر وهو مخلوق من خلق الله، وهو لا يساوي ذرة في ملكوت الله عز وجل، فرد عليه موسى بما ألهمه الله من وحي فقال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٥٠].

هذه الآية تشمل عالم النبات والحيوان والإنسان والبر والبحر والأفلاك.

نعم أيها الأحبة! يقول الزمخشري لله دره من

الجواب

قال أحدهم: والله لقد تناوله موسى بصفعه على وجهه يعني: إن هذا الجواب المسكت صار كصفعة من يد موسى على خد فرعون، وتحت كل كلمة من هذا الجواب آيات وآيات ومعجزات باهرات، وتحت كلمة هدى مجلدات ومجلدات من الصور والأحكام.