للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[افتقار العبد إلى غنى ربه]

نعم أيها الإنسان: ينبغي أن تعلم أنك في غاية الذلة والافتقار والحاجة والانكسار إلى الله وبين يدي الله عز وجل.

وينبغي -أيها الأحبة- أن نتعود التضرع إلى الله، وأن نتعود الشكوى إلى الله، وأن نتعود اللجوء إلى الله، وأن نتلذذ بأن الواحد يرمي بنفسه من طول قيامه ليكون في حالة السجود، ويمرغ أشرف ما في جسمه وهي جبهته على التراب ذلة لله عز وجل، وأنت لا تقبل أن أحداً يضربك على ناصيتك وهامتك ولو بلمسة فيها أدنى ذلة، لكنك أنت تختار أن تذل وتنحط وتنكسر وتنحني من علو وقوفك إلى قمة ذلتك حال سجودك، لمن؟ لوجه الله عز وجل.

ولا ترضى أن تركع لغيره، ولا ترضى أن تنحني لغيره، ولا ترضى أن تسجد لغيره، بل قد يوضع السيف على الرقبة فتأبى أن تخصع لغير الله، ويوضع السيف على الرقبة فتأبى أن تسجد لغير الله، ويوضع السيف على الرقبة فتأبى أن تنحط خاضعاً منكسراً ذليلاً لغير الله عز وجل.

هكذا الانكسار، وهكذا الانقياد، وهكذا المناجاة في حال السجود، أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم).

ينبغي أن نستشعر الذلة لله عز وجل، وأن نستشعر عظمة الله سبحانه وتعالى، ما أحلاها من هيئة، ما أجملها من صورة، ما أطيبها من صفة أن تسجد منحطاً ذليلاً منكسراً لعظمة الله، لجبروت الله، لوجه الله، لملكوت الله، وكأنك حلس بالٍ، كأنك جلد قد سلخ ورمي، وأنت منكسر لله عز وجل على هذه الحالة التي أنت تجد قمة اللذة في نهاية الذلة في تمام الانكسار لوجه الله عز وجل، وأنت ونحن فقراء إلى الله.

يا رب أنت المستعان وإننا أبداً لفضلك عالة فقراء

نرجوك في كل الأمور وما لنا في غير منك يا كريم رجاء

أنت الغني وما لجودك منتهى بيديك سر الخلق والأحياء

لولاك ما كنا ولا كانت لنا دنيا ولا عمرت بنا أرجاء

لولاك ما خفقت جوانحنا ولا رعشت بآيات الهدى أضواء

ما اهتز غصن أو ترنم شاعر أو كحلت عين الوجود ذكاء

أو سال قطر أو ترقرق جدول وتلألأت في الروضة الأنداء

لولاك ما كشف الحقيقة عالم أو كان في دنيا الورى حكماء

ما حلقت عبر الفضاء سفينة أو أرسلت ضوء النجوم سماء

أبدعت هذا الكون من عدم وفي يدك التصرف فيه كيف تشاء

ما كان أو سيكون أو هو كائن يفنى وليس لما سواك بقاء

إن كنت في عرض البحار فعربدت هوج الرياح وأرعدت أنواء

أو طرت في رحب الفضاء فخانني حظ وأوشك أن يحين قضاء

أو شفني هم ينوء بحمله ظهري وراشت سهمها الأرزاء

أو كنت مقطوع الأواصر نائياً فلمن يكون تضرع ودعاء

ولمن تخر جباهنا وقلوبنا حتى تزول بعونه البأساء

يا رب أنت المستعان وإننا أبداً إليك جميعنا فقراء

من كان في حفظ الإله وحرزه ذلت له العقبات والأعباء

أنا إن ضللت فمنك نور هدايتي وإذا مرضت ففي رضاك شفاء

وإذا عطشت فمن نعيمك أستقي أو جعت كان بما رزقت غناء

وإذا عريت فأنت وحدك ساتري وجميل عفوك جنة ورداء

وإذا تنكبت الطريق رجعت في ندم إليك ففي حماك نجاء

وسعت مكارمك العباد برحمة وتتابعت من فيضك الآلاء

يا رب خيرك للبرية نازل وإليك يصعد منهم الإيذاء

يا رب حلمك لم يدع لمقصر عذراً فهلا يرعوي السفهاء

لو كان ربك بالعقاب معجلاً لأتى على هذي القرون عفاء

عجباً أيأنف أن يمرغ هامة لله قوم ضلالة تعساء

لكأنها تلك القلوب جلامد وكأنما آذانهم صماء

وإلى متى هذا الكنود تجردي وتعبدي لله يا أهواء