للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يقتضيه الإيمان من المؤمن]

السؤال

بعد أن ذكرت لنا هذه الدلائل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، لجدير بنا أن يزداد إيماننا بالله والارتباط به عز وجل، فماذا ينبغي أن يكون على المسلم لتعظيم هذا الخالق الجليل سبحانه وتعالى أفيدونا مأجورين مشكورين؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله.

وبعد: إن مقتضى الإيمان والعلم والإدراك لعظمة الله عز وجل هي أن ينقاد العبد لله سبحانه وتعالى، وأن يسلم سمعه وبصره وفؤاده وحواسه وجوارحه لله عز وجل، وأن يتعود الانقياد والإذعان والتسليم والاستجابه والمبادرة السريعة الكاملة لأمر الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:٥١] هكذا شأن المؤمن الذي يعلم عظمة ربه.

إن الناس إذا هددوا بعظيم أو وعدوا بعظيم إما أن يستجيبوا وإما أن ينزجروا، فالمجرم إذا هدد بعظيم في مكانته أو سطوته أو سلطته أو رتبته، ثم رأى أن ما هدد به من صفة وشخص هذا العظيم، بات أمراً ماثلاً للعيان استسلم وانقاد وتعهد أن لا يعود؛ لأنه علم أنه يهدد بمن له نوع من صفة القوة اللائقة بحجم البشر، وهو بشر مثله ينقاد له، أفلا ننقاد للعظيم الجبار عز وجل؟! وإن الإنسان إذا وعد من قبل من له حظ من مال أو حطام الدنيا وقيل فلان بن فلان سيعطيك قلت: الآن ارتحت لأن فلاناً وعد وهو غني يملك، فهل تثق بما عند الله وبوعد الله وبعطاء الله وتطمئن لجزيل خلف الله عز وجل وما وعدك الله سبحانه وتعالى.

إن الحديث عن عظمة الله في علمه تقودك ألا يراك الله على معصية، وإن الحديث عن عظمة الله في سمعه تقودك ألا تنبس ببنت شفة في معصية، وإن الحديث في عظمة الله في حلمه أن تستحي من الله عز وجل وأنت تتبع الذنب الذنب وتخطئ الخطأ الجم، ولا ترعوي ولا تنتبه ولا تلتفت، وواجبك إذا أذنبت أن تبادر منكسراً ذليلاً خائفاً باذلاً للحسنات الماحية للسيئات، وإن علمك بقدرة الله تجعلك ضابطاً متحكماً في قدرتك ألا تبطش بها على أحد وألا يغرك حسبك أو نسبك أو رتبتك أو جاهك أو مكانتك.

وإن علمك بعظمة الله سبحانه وتعالى في علمه تدعوك ألا تتساهل بعمل يحصى عليك: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:٦] ثم يجتمع فتجد الصحائف في سجلات أعمالك قد سودتها الخطايا والذنوب، هذه هي فائدة الحديث في العظمة، أن تسبح الله وأن تذكره وأن تشكره وأن تطيعه وأن تثني عليه الخير كله، ثم بعد ذلك تنقاد لأمره سبحانه وتعالى وتنزجر وترعوي وتكف وتقلع فوراً عن الإصرار على معصيته سبحانه، أن تثني عليه الخير أيضاً.

إن الناس إذا جلسوا مجلساً وفيه لواء وفريق ونقيب وجندي فجاء صاحب الدار يثني على هذا الجندي ويجعله في أعلى الرتب وينسى هذه الرتب الكبيرة، هذا في المقياس العسكري، قالوا هذا جنون يثني على هذا العريف وهذا الجندي وهنا تاج ومقص ونجمتان وثلاث وغير ذلك ولا يلتفت لها، ما يعرف مقادير الناس ومنازلهم، وهم بشر كالبشر لا يتخلف بعضهم عن بعض في جوارحهم وحواسهم، فما بالك بمن يثني خيره على غير الله، ويثني الشكر على غير الله، ويثنّي الفضل والحمد لغير الله، والله المنعم المتفضل عليك وعلى من حمدته، وعليك وعلى من شكرته، وعليك وعلى من أزجيت له المديح أو الثناء.

إن الحديث عن عظمة الله تجعل الفرد يتأدب مع الله سبحانه وتعالى ويعرف قدر الله، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الأدب معه سبحانه لكي نذكره حق ذكره، ولكي نشكره حق شكره، ولكي نقوم بما يرضيه، وإنا وايم الله لعاجزون ولكن رحمة الله التي سبقت غضبه، ورحمة الله التي وسعت كل شيء هي رجاؤنا وهي أملنا وهي متعلقنا أن تستر خلاتنا وزلاتنا وترفع درجاتنا، وتمحو سيئاتنا، وتضاعف حسناتنا، ذلك ما نرجوه أيها الأحبة.