للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين قوله (لا تنفذون إلا بسلطان) وبين وصول البشر إلى الفضاء]

السؤال

كيف نوافق بين قوله تعالى {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:٣٣] وبين وصول البشر إلى القمر والمريخ أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب

مسألة الوصول إلى القمر: هب أنني قلت لك الآن إنهم لم يصلوا، هل تغيرت فروض الوضوء؟ هل اختلفت أركان الصلاة؟ هل زادت شروط الطهارة؟ هل تغيرت أحكام الدين؟! وهب أني قلت لك إنهم وصلوا، وكثير من الناس أصبحت قضية وصول القمر عنده محل جدل، والله يا أخي إن كنت آمنت واقتنعت بأدلة تفضي إلى الوصول إلى القمر فقل، هناك من يقول إن سلطان العلم هو الوصول {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:٣٣] قيل هو سلطان العلم، وما دام العلم بلغ إلى ذلك فيسلم بذلك، وآخر قال: لا.

ما وصلوا القمر.

فأنا أقول: لن أكون عدواً لهذا ولا عدواً لهذا الذي قال بالوصول إلى القمر أو نفى الوصول إلى القمر؛ لأنه لا لك مخطط ولا لك قطعة أرض في القمر، ولا أمل أن تحصل على أرض في القمر من الآن، اعرفها تماماً، والمسألة لا ينبني لك فيها قليل ولا كثير، أهم شيء أن تقول آمنت بكلام الله وبمقتضى كلام الله، إن كان مقتضى كلام الله الوصول إلى القمر فأنا مؤمن بالوصول إليه، وإن كان مقتضى كلام الله عدم الوصول إلى القمر فأنا مؤمن بعدم الوصول إليه.

مثلما يقول الشيخ ابن عثيمين في شرح القواعد والأصول الجليلة في مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، قال: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات يقوم على ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أن تثبت ما أثبته الله وأثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أثبته الله لنفسه وأثبته الرسول لربه تثبته والله أمرنا {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠].

المسألة الثانية: أن تنفي ما نفاه الله ونفاه رسوله الله صلى الله عليه وسلم عن الله.

المسألة الثالثة: وأما ما لم يرد فيه نفي ولا إثبات فأنت تتوقف في لفظه وتفصل في معناه، فأما تفصيل المعنى فتقول: إن كان هذا الكلام يدل معناه على أمر يليق بالله وبعظمة الله وجلال الله آمنت به، وإن كان هذا الكلام يتضمن نقصاً ينزه الله عنه فأنا أنفيه وأنزه الله عنه.

وأنا أقول بمثل ذلك، إن كان القول بالوصول إلى القمر يوافق مقتضى ما أراده الله وشرعه وما يليق بكلام الله عز وجل فإنا نؤمن به، وإن كان لا يوافق ولا يمكن أن يقبل، وهذا اجتهاد البشر وأنه لا يمكن أن يسلم بأن سلطان العلم هو السلطان الذي ينفذ من خلاله إلى أقطار السماء لبلوغ القمر أي: أن هذا أمر مستحيل فنقول: اللهم آمنا بك وبما جاء عنك وعن رسولك على مراد رسولك صلى الله عليه وسلم.

أما أن تشغل نفسك بوصلوا وما وصلوا، يا أخي ما ينبني على هذا كثير علم، ونحن أمة دائماً أفكارنا هامشية، وليست في الممكن الذي يمكن أن نحققه ويمكن أن ننافس فيه، ويمكن أن نتحدى به ويمكن أن نغزو به الأمم، لا.

إنما تجد الكثير من الناس يتكلم فيما يعتبر أو يعد من باب: علم لا ينفع أو جهل لا يضر.

أنا لا أقول: إننا نقعد ولا نواكب الأمم والحضارات فيما وصلت إليه وسبقت إليه، لأن هناك من يقول قضية الوصول إلى القمر هي حرب نفسيه وهي من باب التحدي، ومن باب إغراق المسلمين في الهزيمة النفسية، وإننا نحن الغرب وصلنا القمر وأنتم حتى الآن ما صنعتم سيارة، وما صنعتم دبابة فضلاً عن صناعة طائرة، والحقيقة أنهم ما وصلوا إلى القمر، هذه وجهة نظر من يقول ذلك، وهناك من كذب هذه النظرية من الكفار وآخرين قال: بل وصلنا إلى القمر، ومشينا على القمر، وحصل ما حصل إلى آخره فنقول: هذه مسألة لا ينبني عليها أمر في الدين ولا حكم في الشرع، اللهم إلا فيما تعلق بما جاء في كلام الله عز وجل.

فخروجاً من الخلاف واحتياطاً للدين وإبراءً للذمة تقول: اللهم إن كان مقتضى هذه الآية الوصول فإني أؤمن به، وإن كان مقتضى الآية عدم الوصول فإني كافر به وانتهت المسألة، لا تشغل نفسك بقضايا ما ينبني عليها حكم عملي تفصيلي تكليفي في الشريعة.

بعض الناس يشغل نفسه ما العصا التي أخذها موسى، ومن أي شجرة هي؟ من أي شجرة هذه العصا التي اهتزت وأصبحت حية تسعى فصارت تلقف ما يأفكون، أو: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك، قال أي هذه الطيور، ما أسماؤها أوز نعام دجاج حمام، ماذا ينبني في مثل هذه المسائل؟ لون كلب أهل الكهف أسود أبيض أحمر أزرق أخضر، ماذا ينبني عليه؟ أي أن هناك مسائل تجد من المسلمين من يغرق نفسه ووقته وهي لا ينبني عليها مزيد أحكام في الدين فلا تشغل نفسك بها.