للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الأمن عند المسلمين في الاتحاد السوفيتي]

أيها الأحبة: وإن شئتم نقلةً يسيرة إلى زمننا وواقعنا المعاصر، انظروا حال إخواننا في الاتحاد السوفيتي، في روسيا وقد جثمت الشيوعية بكلكلها على صدور المسلمين في تلك البلاد اثنين وسبعين عاماً، حتى ظن الظانون أنه لم يبق أحدٌ يعرف لا إله إلا الله، أو يعرف الفاتحة، أو آيةً من كلام الله، أو حديثاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] لما تكفل الله بحفظ هذا الذكر وضمن طائفة منصورة على الحق إلى يوم القيامة منتشرةً في أصقاع المعمورة جعل لهذا الدين رجالاً يتربون عليه، وينشئون صغارهم عليه حتى في الأقبية وتحت السراديب.

أخبرنا عددٌ كثيرٌ بل متواتر ممن ذهبوا إلى كازخستان وطاشقند وتركستان، وكثيرٍ من بلاد الاتحاد السوفيتي سابقاً قالوا: وجدنا أمةً مسلمة، ووجدنا عدداً من المسلمين حفظوا القرآن، هل حفظوه في المساجد؟ ليس ثمة مساجد، هل حفظوه في حلق الذكر؟ ليس ثمة حلقة ذكر، فأين حفظوا وأين درسوا اللغة؟ حفظوه في الأقبية وتحت السراديب يقف واحدٌ على فتحةٍ فوق سطح الأرض من فوقها سجادٌ أو خشبٌ أو لوح كأن ليس تحت الأرض شيء، واثنان أو ثلاثة تحت الأرض يقرءون القرآن ويحفظون الآيات ويتدارسون الحديث.

هذا دينٌ محفوظ، هذه ملةٌ ماضية: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار)، (ليتمن هذا الأمر حتى لا يبقى بيت مدرٍ ولا حجر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذليل).

نعم -أيها الأحبة- تلك صورةٌ من صور الخوف على الدين، وعدم الأمن لأولئك الذين أرادوا أن يتمسكوا، وفي المقابل عبرةٌ لنا يوم أن نجد أمة من وجد القرآن عندها فحكمه الإعدام، ومن وجد متلبساً بحلقة أو دراسةٍ شرعية فحكمه الإعدام، وما حول ذلك فحكمه السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة.

نعم.

ما كان هذا الكلام في زمن موسى وفرعون، بل في هذا الزمن القريب، ومع هذا كله ما نفع روسيا رءوسها ولا طائراتها ولا قنابلها: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} [الحشر:٢] ما كنا نظن، بل إن كثيراً ما كانوا يظنون بسقوط روسيا فضلاً عن غيرها: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر:٢] ظن الروس أن ( KjB) أن المخابرات، أن الرءوس النووية، أن عابرات القارات، أن الطائرات، أن أجهزت التصنت، أن كل وسائل ملاحقةٍ أمنية لجريمةٍ أو غيرها ستحفظ هذا الكيان من السقوط: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:٢] لقد كانت الرادارات حوامة حول حدود تلك القارة، فإذ بالقنبلة تنفجر من تحت صنم لينين، إذ بالهاوية تنفجر من تحت تمثال تروتسكي وفردريك إنجلد وطغاة الشيوعية الذين ذبحوا وعاثوا خلال الديار وقتلوا تقتيلاً.