للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحيل علي بن أبي طالب]

وتلك صورةٌ خامسة من صور الرحيل الجميل، في صلاة، في عبادة لخليفة من خلفاء الإسلام، ذلكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج الإمام علي لأداء صلاة الفجر في المسجد وهو يردد بين نفسه:

شد حيازمك للموت فإن الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك

خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يتمثل بهذا البيت كأنه نبئ أنه سيقتل بعد قليل، وكان في طريقه خارجاً من بيته إلى المسجد، وهو ينادي بين الفينة والأخرى: أيها الناس! الصلاة الصلاة علي بن أبي طالب خرج من بيته يلتفت إلى البيوت يلتفت إلى الأزقة يصيح في الراقدين النائمين: أيها الناس الصلاة الصلاة، ومعه درته يوقظ بها الناس، فجاء ابن ملجم ومعه سيفٌ ومعه صاحبٌ فأقبل تجاه علي فضربه ضربةً في جبهته حتى وصل دماغه، فصاح علي رضي الله عنه: لا يفوتنكم الرجل، فأمسكهما الناس من كل جانب، وأمسك ابن ملجم، فقال علي: [قد ضربني فأحسنوا إليه، وألينوا فراشه، فإن أعش فهضمٌ أو قصاص، وإن أمت فعاجلوه، فإني مخاصمه عند ربي عز وجل] ولما مات كان قبل أن يموت أوصى بنيه ثم نطق بلا إله إلا الله، ومات وتشهد عليها رضوان الله:

عزاءٌ فما يصنع الجازع ودمع الأسى أبداً ضائع

بكى الناس من قبل أحبابهم فهل منهم أحدٌ راجع

عرفنا المصائب قبل الوقوع فما زادنا الحادث الواقع

فدل ابن عشرين في قبره وتسعون صاحبها رافع

وللمرء لو كان ينجي الفرار في الأرض مضطربٌ واسع

ومن حتفه بين أضلاعه أينفعه أنه دارع

وكل أبيٍ لداعي الحِمام إن يدعه سامع طائع

يسلم مهجته سانحاً كما مد راحته البائع

ولو أن من حدثٍ سالماً لما خسف القمر الطالع

وكيف يوقى الفتى ما يخاف إذا كان حاصده الزارع

هذا الرحيل يا معاشر المؤمنين! هذا الرحيل أيها الغافلون! واللحود المنازل بعد الترف واللين، والأعمال الأقران، فاعملوا ما يزين، والقيامة تجمعنا وإياكم، وتنصب الموازين، والأهوال العظام، فأين المتفكر الحزين؟!: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:١٣٤] اللهم اجعلنا ممن أفاق لنفسه، وفاق بالتحفظ أبناء جنسه، وأعد عدةً تصلح لرمشه، واستدرك في يومه ما ضيع في أمسه.

أيها الأحبة: الرحيل الرحيل لا بد منه، فأين نحن من الاستعداد لهذا؟!