للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير من ترك الدين بسبب ارتكاب الذنوب]

السؤال

هناك بعض الشباب إذا وقع في المعصية، يقول: إني أذنبت، فيترك الدين، فنريد منكم نصيحة لهؤلاء الشباب، هناك أسئلة تدور حول هذا الموضوع؟

الجواب

يا إخواني بكل صراحة أنا أحد إخوانكم أي: بفضيلة أو سماحة وإنني أجزم وأتأكد أن من بينكم من هو أفضل -إن شاء الله- مني.

يا أخواني هنا نقطة نناقشها هذا هي الدرجة الأولى، الشيء الثاني: مسألة كون الإنسان إذا أذنب ترك الجلساء الصالحين وسلك سبيل الفاسدين، أو سبيل الخسار والوبال في الدنيا والآخرة لاشك -كما قلت- أن ذلك من غلبة الشيطان عليه، لو تأمل كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لوجد في ذلك خيراً عظيماً.

وحشي بن حرب لما قتل حمزة سيد الشهداء عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي كان قتله بالنسبة للرسول مصيبة من أعظم المصائب، كان وحشي يقول: ما من توبة، أنا قتلت أحب الناس إلى قلب رسول الله، فنزل قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:٥٣] يا إخواني! نداء رباني لطيف.

والله قلوبنا في قسوة، إذا قرأنا القرآن نقرأ صفحة واحدة بتأمل وبتدبر أحسن من قراءة جزئين أو ثلاثة بهذٍ ونثر: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣] أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والمعاصي: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:٥٣] {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:٥٤] {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:٥٥].

فالآيات جاءت بدعوة الناس إلى العبادة وإلى التوبة وهي تجب ما قبلها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأتقاكم لله وأخشاكم له، وإني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة) الرسول المعصوم صلى الله وسلم عليه الذي هو معصوم عن الذنوب والخطايا يستغفر الله ويتوب إليه، نحن أولى بالاستغفار، كلامنا يقع من الغيبة، نظراتنا شاردة، عباراتنا أحياناً تكون خارجة، يقع منا الزلل كثيراً، نتهاون ببعض الواجبات؛ لكن لا يعني ذلك أننا هلكنا، لا.

لا نعين الشيطان على أنفسنا، لا نترك للشيطان ثغرة على أنفسنا.

يقولون: إن الشيطان سأله أحد الأنبياء السالفين لا أدري من هو، قال له: كيف الناس معك؟ قال: طائفة منهم كالكرة في يد طفل -أي: يعبث به كما يشاء- وطائفة منهم نجتهد في ضلالهم وفسادهم فينقضون ما بيننا وبينهم بقولهم أستغفر الله، وكما في الحديث: (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً) فلا غرابة -يا إخوان- أن نستغفر، ولا غرابة أن نقع في الغلط، يعني: كون الإنسان يلتزم بجلساء صالحين، فهل يكون عند ذلك ملكاً لا يخطئ أبداً! يا إخوان! هل يترك هواياته التي يحب أن يمارسها من الهوايات التي هي مباحة شرعاً من سباحة أو رياضة أو تنس أو طائرة أو كاراتيه أو غير ذلك؟ لا.

غير صحيح، المهم التزامك بالدين وتقديرك للدين في ذاتك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).

فأعظم القربات -يا إخوان- هو إتيان الإنسان بالأمور الواجبة، يعني: لأن يصلي العشاء مع الجماعة أفضل لي من أن تفوتني الصلاة مع الجماعة وأقوم ليلة كاملة من الليالي، لا والله أصلي العشاء مع الجماعة وحينما أسمع داعي الفلاح المؤذن أتهيأ وأستعد للصلاة وأعرف أني بين يدي رب العالمين، وبين دعاء وسؤال واستغفار، وإخبات وخشوع وإنابة، والله هذا أحب إلي من أن أقوم الليلة هذه كلها وأن تفوتني صلاة العشاء، (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله الذي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).

يا أخي! الزم الاستغفار وعد إلى الله في كل صغيرة، قال العلماء: وليس بشرط التوبة ألا يعود إليها، من شرط التوبة ألا يعزم الإصرار على المعصية.

فرق في أنك تتوب إلى الله قد تقع ثانياً فيما تبت إلى الله منه، تب إلى الله توبة ثانية، تب إلى الله توبة ثالثة، تب إلى الله في كل يوم يا أخي، قد تخطفك الآجال وأنت لا تدري، شاب يخرج من بيته، فإذا كان يلزم الاستغفار والتوبة إلى الله فهذا شاب -إن شاء الله- يرجى له خير عظيم، إذا صلى كان على الإسلام، مات على شهادة لا إله إلا الله والحمد لله رب العالمين ومات على توبة، ورب العالمين يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، لكن مشكلة الشاب أنه لا يفكر بالتوبة أساساً، ولا فكر بالدين ولا بالالتزام بالواجبات، هذا متى يعود إلى الله؟! من فترة زارني شاب ومعه صديق يعمل في مطار الرياض، قال: شهدنا في مطار الملك خالد جنازة شاب مات في فندق اسمه قريش، كثير من الشباب يعرفون هذا الفندق ولا غرابة لا يضحك أحد يا إخوان، لا غرابة في ذلك فندق اشتهر به شبابنا، وخاصة شباب دول الخليج عامة، هذا الفندق دخل هذا الشاب وذكر من أمور بعض هذا الشاب وهو مريض، قال: والله ثم والله إنه لما تأخرت عليه بغي من البغايا فلما أتت سجد لها.

يا إخوان! هل بعد هذا ضلال؟ هل بعد هذا وباء؟ وهذا الشاب جاءوا به جنازة طرف في الفندق، يعني: يا إخوان! الإنسان يبعث يوم القيامة على ما مات عليه، وأسأل الله أن يتوب عليه، اذكروا محاسن أمواتكم، لكن هذا الشاب -يا إخوان- لو كان مات وفي فمه زجاجة خمر، أو مات في أحضان باغية، أو مات على قمار وميسر، أليس آمل أن يموت وهو في بلاده أن يموت وهو في طريقه، وليس أشرف وأفضل وأنبل أن يموت وهو في عمله، أن يموت وهو في محرابه ساجداً، لكن انظروا يا إخوان ما مات عليه، يقول أحد السلف، قالوا: نراك تخاف من المعاصي والذنوب، قال: نفسي تجاهدني على المعصية، النفس الأمارة بالسوء تريد للإنسان أنه يفعل المعاصي، لكن أخشى أن تفاجئني المنية وأنا على هذه الحال، إنسان تختم لك خاتمة السوء بسبب معصية من المعاصي والعياذ بالله! إذاً فلنلزم الاستغفار ولا تزال ألسنتنا رطبة بذكر الله جل وعلا.

أسأل الله جل وعلا أن يمن على شباب المسلمين بالتوبة والهداية، وأسأل الله أن ينفعنا وأن ينفع الأمة بالشباب.