للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من وهج المشاعر]

أيها الأحبة في الله! وصلتنا برقية عاجلة موقعة باسم اليتامى الذين فقدوا الآباء فلا تسمع إلا صراخهم، ولا ترى إلا دموعاً من يمسحها عن خدودهم؟! ووصلتنا برقية باسم الثكالى اللائي أنهكهن المرض فلا ترى إلا دموعهن ولا تسمع إلا أنينهن! ووصلتنا برقية باسم الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

ووصلتنا برقية من الصبايا المحطمات هتكت أعراضهن، وهتكت أنفسهن، وهتكت حرماتهن! إن هذه البرقيات كلها من مسلمي الصومال الذين يموتون الآن ونحن نسمع الخطبة، يموت منهم عدد من الأطفال ومن النساء ومن الرجال، برقية مسلمي الصومال لم تجد أذناً معتصمية أو نخوة عربية، فهل نجدها في هذه البلاد؟ هل نجدها في حكامها؟ هل نجدها في رجالها؟ هل نجدها في شبابها؟ هل نجدها في الطيبات من نسائها؟ أيها الأحبة في الله! الصومال قطعة جميلة في القارة الخضراء في منطقة القرن الإفريقي، أمة مسلمة نسبة المسلمين فيهم مائة بالمائة، لا يوجد فيهم أقليات وثنية أو نصرانية، الصوماليون مسلمون مائة بالمائة.

ولكن الصومال شأنها كشأن غيرها؛ ظلت ترزح تحت نير الاستعمار الذي جثم على صدر الأمة زمناً حتى استقل وتحرر بعد أن قدم أرواح أبنائه وفلذات أكباده وخيرات بلاده، تحرر من الكفر الأجنبي ليستقبل في عصر الخداع التعتيم الإعلامي كفراً محلياً، ودَّع كفراً أجنبيا واستقبل كفراً محلياً، في ظل وعود الشعارات الزائفة والسعادة الموهومة، استقبل كفراً أسوأ ظلماً وتسلطاً وجبروتاً من الذي قبله، وما أن سقط هذا الكفر وسقطت تلك العلمانية حتى ظهر للمسلمين هناك أن قنبلة موقوتة تنفجر بزوال النظام حتى تعيش الأمة حرباً أهلية وقبلية بغيضة متطاحنة.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند

شعباً عدده قرابة تسعة ملايين نسمة، عقيدته واحدة من عرق واحد، الصوماليون كما قلت أمة مسلمة عرفوا الإسلام في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له في الإسلام والدعوة إليه تاريخ مشرق ومشرف، ولكن ما إن توالت الدهور والعصور حتى اكتفنت بهذا الشعب وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم والعقد بالجيد، أحاطت به شلة وشرذمة نصرانية وعلمانية، وأحكمت نطاق حدوده دولاً نصرانية كافرة، فلا تعجب أن ترى أحوال المسلمين في الصومال أشد مما تسمع وأبلغ مما يروى.

وفوق هذا كله لا تزال جسور الكفرة تمتد إليهم لتغذي الصراع بالسلاح، ولتغذي القبلية والعنصرية عبر الإرساليات البريطانية والإرساليات الفرنسية وأذنابها ممن جاور هؤلاء حول حدودهم وبلادهم، كانت مناطق آمنة فخلف من بعدهم خلف علماني كافر أضاعوا الصلاة، وحكموا القوانين، وأباحوا الزنا، ونشروا الخنا، وأشاعوا الفاحشة، وضاعة تلك الأمة في ظل تلك القيادات الكافرة التي لا هم لأحدهم إلا قول القائل:

إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر

علي وعلى أعدائي، ولينجو ظالم ببطشه وبرصيده وبملكه، لينجو ظالم بأملاكه لا يبالي أن يشرد ويقتل ويضيع من وراءه.