للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقدان الولاء والبراء عند كثير من المسلمين]

وهنا مقتضىً عظيم: محبة أهلها الناطقين بها، العاملين بمقتضاها، وهو الولاء والبراء، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤].

الولاء والبراء يذوب ذوبان الملح بالماء في هذا الزمان، وكثير من المسلمين أصبح لا يقدر للأمر قدره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١] ما الدليل على أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض؟ ما من دولة كافرة إلا واعترفت بإسرائيل ولها سفارة وتبادل تمثيل، والذين والوها قبلوا ذلك، وجعلوا لهم سفارة في إسرائيل ولإسرائيل سفارة عندهم، وتعامل تجاري، وتعاون عسكري واقتصادي وإعلامي في كل المجالات.

والدليل العملي الحسي المشاهد الذي يقول: إن الكفار بعضهم أولياء بعض أقول لك عنه: هناك اتفاقية اسمها اتفاقية الشنجن، اتفاقية الشنجن هي دليل على أن الكفار بعضهم أولياء بعض، عشر أو إحدى عشرة دولة نصرانية إذا حصلت على فيزة من إحدى هذه الدول، تكفي الفيزة أن تطوف بها كل البلدان، أي: لو أردت أن تسافر إلى لوكسمبورج وهولندا وألمانيا وأسبانيا وفرنسا والنرويج والسويد وغيرها لا يحتاج أن تمر على سبع سفارات، بل تكفي تأشيرة دولة واحدة، وهذه الدولة بتأشيرتها تسمح لك أن تطوف في كل الدول، هذا معنى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣].

ومن معناه: اليورو؛ العملة الأوربية المتحدة، والناتو الحلف العسكري المتحد، والسوق الاقتصادي؛ الأسواق الأوروبية المشتركة، ولاء في جميع المجالات، ولاء سياسي، وولاء اقتصادي، وجغرافي، وإعلامي، ولاء متكامل فيما بينهم، ولذا قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣] أخبر الله أن الكفار يوالي بعضهم بعضاً {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣] إذا كان المسلمون لا يسعون لتحقيق ولاء فيما بينهم كولاء الكفار فيما بينهم، فإن الفتنة والفساد يكون كبيراً في الدنيا، هذا ملاحظ الآن: مشاكل المسلمين وانقسامهم وتفرقهم أمر عظيم.

نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين.

كثير من المسلمين لا يعطون الأمر قدره، ولا يلتفتون إلى المسألة بحقيقتها في باب البراء وفي باب الولاء، فتجد الواحد يقع في موالاة الكفار يدري أو لا يدري:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

يتشبه بهم فيما هو من خصائصهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وفي رواية: (حشر معهم) تجده يقيم في بلادهم، يخرج مسلماً من بلاد الإسلام ليقيم في بلاد الكفار، أولاده يولدون هناك، فلا يعرفون من العربية حرفاً، ولا يقرءون القرآن، ولا يتعلمون الدين، ويعيشون في بلاد الكفر، ولا يقض مضجعه ذلك، وما من مصيبة أعظم على المسلمين الذين عاشوا في بلاد الغرب ولم يدركوا خطورة الأمر والبلاء والفتنة العظيمة التي يقبلون عليها، كفتنة ذوبان وفساد أولادهم ولا حول ولا قوة إلا بالله! مسلم يبكي لأن ابنته ذهبت تصادق كافراً يزني بها وتتزوجه في الكنيسة رغماً عن أنف أبيها, مسلم يبكي؛ لأن ولده ترك دينه وعلق الصليب وسمى نفسه جرج وديل وغيره، وآخر يرتبط بامرأة سفاحاً وينجب أولاداً، ثم يقول: يا ألله! حلوا مشكلتي، أنا لا أريد أن أضيع هؤلاء الأولاد، من قال لك إنهم أولادك؟ أبناء زنا.

الإقامة في بلاد الكفار إذا لم تكن للحاجة أو الضرورة أو مصلحة فهي شر محض لا تجوز، تجد كثيراً من المسلمين يقع في الولاء مع الكفار وهو لا يدري، يقيم في بلادهم، فينقاد إلى قوانينهم، ولا يستطيع أن ينكر شيئاً، بل حتى في نفسك وأهلك وبيتك لا تستطيع، قانون في بلاد الغرب: إذا كنت تسكن في بلاد الغرب فعليك أن تدرس أولادك إجباري، هل توجد مدارس إسلامية في كل مكان؟!

الجواب

لا.

إذاً أنت مجبر أن تدرس أولادك في المدارس التي يدرس فيها أبناء الكفار، وهذا يعني أن ولدك وبناتك سوف يتعلمون لغة الكفار، ليست القضية لغة، بل عاداتهم، أمر عادي جداً أن يبدي بعضهم لبعض العورات، أو أن يختلطوا، أو أن يشربوا الخمور، أو أن يصادق الفتى الفتاة في الثالثة عشرة والرابعة عشرة من العمر، وأن تكون للبنت الحرية المطلقة في نفسها، إذا بلغت ستة عشر عاماً أو ثمانية عشر عاماً لا يتدخل فيها أبوها، عجائب وغرائب لا تخطر لكم على بال، فما بالكم بمسلم يقيم في بلاد الكفار ليس لوجوده ضرورة، ولا مصلحة، ولا حاجة، اللهم إلا الفتنة بالكفار؟! إذاً ما هو الولاء إن لم يكن هذا هو الولاء؟! ما هو الحب للكفار إن لم يكن هذا هو الحب؟! بعضهم يرضى أن ينتقل إلى بلاد الكفر يقول: أنا في بلدي لا أقبض إلا ثمانمائة دولار وفي بلاد الكفار راتبي ألف دولار، يعني: تبيع الدين والذرية والآخرة بمائتي دولار فرق في الراتب؟!! أمر عجيب وغريب، نسأل الله السلامة والعافية.

كذلك إذا مات أحدهم في بلاد الكفر، وهي غربة في الحياة وغربة في الممات، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء:٩٧] الذين يموتون في بلاد الكفر، حينما تأتي الملائكة لقبض أرواحهم وهم ظالمون لأنفسهم، يموتون في بلاد الكفر على غير إعزاز لدين الله، أو حاجة تلجئهم، أو ضرورة أو مصلحة تقتضي ذلك: {فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء:٩٧]؟ ما الذي أجلسكم في بلاد الكفار؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:٩٧ - ٩٩].

من موالاة الكافرين: إعانتهم ومناصرتهم والاستعانة بهم والثقة بهم، واسمعوا إلى هذه القصة الجميلة والحوار الشيق بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي موسى الأشعري.

روى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قلت لـ عمر رضي الله عنه: [لي كاتب نصراني؟ قال عمر: مالك قاتلك الله! أما سمعت قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١] ألا اتخذت حنيفاً؟! قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله] انظروا إلى هذا المعنى والفقه الدقيق الجليل من إمام الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وروى الإمام مسلم وأحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الحرة، فقال: إني أردت أن أتبعك وأصيب معك -أي: أذهب أقاتل معك وأحصل من الغنيمة- قال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا.

قال صلى الله عليه وسلم: ارجع فلن أستعين بمشرك) فالتساهل في شأن الكفار وتقريبهم في أمور لا ضرورة إليها، هذا أمر خطير جداً، ونحن اليوم نرى أن بعض بيوت المسلمين فيها من الخادمات الكافرات التي تتولى رضاعة الطفل وحضانته وتربيته وتغسيله ولباسه وترفيهه، والذهاب به وتولي شأنه، والأم لا ترى الطفل إلا نصف ساعة أو ساعة، والأب مشغول في عمله وتجارته وأصدقائه، وفلذات أكباده المسلمين في يدي الكافرين والكافرات، أيجوز هذا يا عباد الله؟! مسلم يجعل الكافرة تعيش في بيته وتربي أولاده؟! مسلم يجعل الكافر يعيش في بيته ويربي أولاده؟! بعض المسلمين تجد بيته كبيراً، لا تقدر مساحته، وتجد عنده الكافر والبوذي والنصراني والوثني والهندوسي، عشر جنسيات يعيشون في بيته، ولو قلت له: عندنا بيت فيه فقير ويتيم وأرملة وعجوز مسكينة، نريدك أن تصرف عليهم وتعطيهم كل شهر من مالك، وتتولى رعايتهم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، والصائم لا يفطر، والقائم لا يفتر) قال: وهل أنا ضمان اجتماعي؟! وهل أنا وكيل على ذرية آدم؟! انظر الحرمان، البيت على عشر جنسيات من الكفار، ما بين مزارع، وسائق، وخادم وخادمة وغير ذلك، ولكن يصعب على النفس أن تنفق على مسلم حنيف يصلي ويسجد ويركع، هذا حرمان، بل من أعظم البلاء أن تجد البيت مسرحاً ومرتعاً للكفار يعيشون فيه، وبعضهم إذا قلت له قال: لا نأتي بخادمة مسلمة، هذه تسرق، عليك بالنصرانية الأمينة، نسأل الله السلامة والعافية، أين الولاء؟ أين البراء من الكافرين؟ ويزيد الطين بلة إذا رأيت بعض المسلمين يشارك الكفار في أعيادهم، عيد رأس السنة، عيد الكرسمس، عيد هلوين إلى غير ذلك، منذ فترة فوجئ الناس أن السوق نفذت منه الورود الحمراء، والأقمشة الحمراء، والملابس الحمراء، والزينات الحمراء، فعجب الناس، وإذا بنا حيث لا ندري أن فريقاً من أبنائنا وبناتنا يحتفلون بعيد الفلانتيم؛ وهو عيد الحب، وفي هذا العيد يتهادى الناس القلوب الحمرا