للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حاجة السفينة إلى ربان ماهر]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله جل وعلا أن يثيبكم خير الثواب، وأن يجزيكم أطيب الجزاء على حضوركم واستماعكم، ونسأله جل وعلا في مستهل هذا اللقاء أن يسددنا في القول، وأن يخلص لنا ولكم العمل.

عنوان هذه الكلمة التي اختار الإخوان عنوانها: (سفينة المجتمع) وهذا عنوان حَمَّال ذو وجوه، فلك أن تتكلم عن سفينة المجتمع وما يتعلق بالأمن والأمان في هذا المجتمع، والمخاطر التي تخترم الأمن وتهدد الطمأنينة، ولك أن تتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي جاء فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة) الحديث.

ولك أن تستنبط من هذا العنوان معاني عديدة، وحسبنا أن نشير إلى ما أشار إليه الحديث الشريف؛ فهو أقربها إلى الأذهان، وهو من درجات الإيمان، ومن أهمها ومن أحوج ما تحتاج إليه الأمة في هذا الزمان.

أيها الأحبة في الله: إن المتأمل في حال البشر تماماً يراهم مثل أقوام ركبوا السفن: فمنهم من ركب سفينة متينة، وأبحر باتجاه أمواج متلاطمة لا توصله إلى بر الأمان، بل سرعان ما تنكسر خشبته وتتحطم ألواحه ويتيه الربان ويضيع الركب، ولا تسأل عن هَلَكَة القوم بعدئذ؛ فالسفينة لا تغني قوتها ولا صلابتها عن أن يبحر بها ربان ماهر قادر يبحر بها ويتجافى ويتحاشى أمواجاً لا يطيقها، ويأخذها ذات اليمين تارة وذات الشمال تارة، يمشي بها الهوينا حينما يتعثر السير، ويجدُّ بها إذا وجد طريقاً ميسراً، ونصَّ وأسرع في سيره حتى يبلغ بأهلها.

وقوم ركبوا سفينة ضعيفة فلم تقاوم أدنى موج من أمواج البحر فانكسرت بأصحابها.

وأقوام ركبوا سفينة متينة وسار بهم ربان ماهر قادر خرِّيت مجرب، وسار وأبحر بهم إلى بر الأمان بإذن الله، فأولئك هم الذين أنعم الله عليهم من أهل الصراط المستقيم: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧].

وإن تشبيه الناس في هذا المجتمع كقوم على سفينة لتشبيهٌ بليغ وجميل جداً؛ إذ أن الناس قد أبحرت بهم سفنهم من أول يوم وُجِدوا وخُلِقوا ونزلوا على وجه هذه الأرض، وكلنا أيها الأحبة قد ركب هذه السفينة، فهي تمخر بنا عباب السنين والأعوام.

والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعدُّ وتحسبُ

إن الجديدين إذا ما استوليا على جديدٍ أسلماه للبلى

منع البقاءَ تقلبُ الشمس وخروجُها من حيث لا تمسي

وبزوغُها صفراءَ صافيةً ومغيبُها حمراء كالوَرْسِِ

نحن قد أبحرت بنا السفن: فمنا من قطع من الرحلة عشرين أو ثلاثين أو أربعين، ومنا من هو الآن على شاطئ النهاية، وبعد النهاية -نهاية الدنيا- يستمر ويمضي في برزخ إلى أن يبعث يوم القيامة.

فنحن في سفينة ماخرة بنا إلى الدار الآخرة؛ فيا ليت شعري أين يكون الشاطئ وأين يكون بر الأمان؟! وأين الجودي الذي تستوي عليه هذه السفينة؟! قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة -أي: ضربوا القرعة بينهم، والسهمان أو ضرب القرعة من الأمور التي يُلْجَأ إليها عند تساوي الأمور- فكان لبعضهم أعلاها وكان لبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء -أي: طلبوا السقيا وأرادوا الماء- مروا بالذين من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا هذا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن هم تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) هذا الحديث عند البخاري رحمه الله، وهو حديث عظيم وفيه من الفوائد المستنبطة الجليلة العظيمة الكثير: فمنها: جواز ضرب الأمثلة.

ومنها: البيان والتوضيح.

ومنها: جواز القرعة.

إلى غير ذلك.