للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منفعة الحديث عن الماضي]

ثم اعلموا أيها الأحبة! أنه ينبغي قبل أن نفصل عن الحديث عن الأمس واليوم أن نسأل: ماذا ينفعنا الحديث عن الماضي؟ ينفعنا الحديث عن الماضي أن نتأسى وأن نتثبت، وإذا ابتلينا بواقعة في زمننا، تأملنا تاريخنا، وتاريخ أسلافنا، بل وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، لنعلم أن فيها عظة وعبرة، ودواء وعلاجاً، وشفاءً ومنهجاً وترياقاً، وتجربة صادقة من تمسك بها نال الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، هكذا حينما ندرس الماضي، لا لكي نقرأ كان يوم كان، أو لكي نعرف الحكايات الممتعة، والبطولات المتنوعة، لا، إنما ندرس الماضي لكي نستلهم العبر، ولكي نفتش ولكي نقلب الأحرف والأسطر من التاريخ والسيرة، عند ذلك نجد أن لكل واقعة جديدة علاقة بحدث قديم، لو استطعنا أن نستنبط وأن ندقق وأن نعرف الطريق الصحيح إلى الفهم والاستيعاب.

كذلك في هذا القرآن ما يدل على ذلك، إن الله جل وعلا قد جمع لنبيه أخباراً عن الأولين السابقين السالفين، نحن الآن نتكلم عن الماضي، ونتكلم عن اليوم والله جل وعلا قد قص على نبيه أحداث وأخبار وأنباء أقوام كانوا في الماضي، وأخبره عن كيد قومه في زمنه، لماذا يا ربنا قصصت على نبينا على أخبار أقوام مضوا وسلفوا، لماذا؟ {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:١٠]، {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:١٢٠].

فإذاً: الله جل وعلا قد ذكر لنبيه وبيَّن أن أقواماً غير من قصصنا عليك لهم أخبار ولهم أحداث وشأن مع أنبيائهم، إلا أن الله جمع لنبيه فيمن لم يفصل له قصتهم وأنباءهم جمع له شأنهم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

وفي القرآن تفصيل وإيجاز وبيان وتوضيح لأخبار من سلف من الأنبياء والرسل لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، يضير قلبك، يجرح خاطرك، يحز في فؤادك أن قومك يستهزئون بك، يسخرون بك، يستهزئون من دعوتك، يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول صناديد الكفر والشر: أيكم يأتي بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر هذا الصابئ، فيقوم أشقى القوم عقبة بن أبي معيط، ثم يأخذ سلا الجزور -وهو بقايا الناقة بعد نتاجها- ويضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم.

هذه فيها عبرة يا إخواني لكل داعية ولكل تائب إلى الله يوم أن نجد الاستهزاء والسخرية، تضيق وتتبرم وتنزعج وتتكدر يوم أن تجد من يستهزئ ويسخر بك؛ لأنك التزمت وتبت إلى الله واستقمت على نهج الله، لن تكون أفضل من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي هو أفضل من وطئت قدمه الثرى، ومع ذلك وضع نجاسة وبول ودم الناقة على ظهره صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أوذيت فتذكر من قبلك، وإذا ابتليت فتذكر من قبلك، من هنا يكون حديثك عن الأمس فائدة لك في اليوم، أما أن يكون الحديث مجرداً من دون فائدة ولا عبرة ولا تثبيت للفؤاد، فلا فائدة في كان يوم كان، أو فُعل أو حصل أو قيل أو قال.