للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف ننتفع بحديثنا عن الواقع]

كذلك أيها الأحبة! ينبغي أن نعلم أن حديثنا عن الواقع لا ينفعنا بشيء ما لم يكن حديثاً مبنياً على خطوات علمية.

تكلمنا عن الأمس بإيجاز، ونتكلم عن فوائد الكلام في اليوم بإيجاز.

حينما نتحدث عن واقعنا من دون ثمرة عملية للواقع ماذا نستفيد؟ أحدثكم عن الواقع، أحدثكم عن غفلة الناس عن ذكر الله، أحدثكم عن بعد بعض الناس عن طاعة الله، أحدثكم عن إهمال بعض الآباء لأبنائهم في التربية على منهج الله، أحدثكم عن ضيعة من تولوا مسئولية البيوت والأسر والبنات والزوجات، ضيعوا ما ولاهم واسترعاهم الله، ثم ماذا؟ أطيل الحديث لكم، وأنبئكم بأشجان ومصائب، وما يحز في قلبي مما أرى في واقعي ثم ماذا بعد ذلك؟ لو حدثتكم عشر ساعات، ثم أخذتم تبكون وتنشجون، وتصيحون وتهزون الرءوس، هذا لا فائدة منه، هذا شأن النساء وليس شأن الرجال، إن شأن الرجال يوم أن يتحدثوا عن واقعهم يتحدثون عن الواقع لكي يفعلوا أمام الواقع أمراً يصلحه، هل تنتهي مهمة مراجعتك للمستشفى بمجرد دخولك على الطبيب وتصف له الواقع، أيها الطبيب عندي قلة شهية واضطراب في الأمعاء، وصداع في الرأس، وخمول في المفاصل، ووجع في الأعصاب، ثم يقول الطبيب: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتخرج من باب المستشفى؟! هل سمعتم أن هذا طب، أو أن هذا عقل، أو أن هذا علاج؟ لا، هذا جزء بسيط أن تصف الأعراض، أن تصف الحالة، لكن أنت جئت واصفاً لحالتك من أجل أن تنال الدواء والعلاج، من أجل أن يقول لك الطبيب: اترك كذا، وافعل كذا، واجتنب كذا، وتجنب مصاحبة كذا، واحرص على أداء كذا، وعند ذلك يكون وصفك لحالتك مجدياً أمام جواب نافع، أما أن نصف الواقع بدون فعل وبدون عمل، فهذا لا ينفعنا بشيء أبداً.

وقديماً قالت العرب في أمثالها: أوسعتهم سباً وأوردو بالإبل.

أنا أخبركم بقصة هذا المثل: راعٍ من الرعاة، استودعوه أذواداً -جمع ذود من الإبل- يرعاها، فغزا قوم المرعى، فاستاقوا الإبل وضربوا الراعي، وأخذ الراعي يرفع يديه ويلعنهم ويشتمهم ويسبهم وهم يسوقون الإبل هاربين غانمين بها، فلما جاء أصحاب الأباعر قالوا: أين النوق؟ قال: والله غزانا بنو فلان فأخذوا النوق والأباعر، قالوا: وأنت أين كنت؟ قال: والله كنت أشتمهم وأسبهم وألعنهم، هل هذا يكفي؟ لا.

أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل فهذا شأننا إن كنا نتحدث عن واقعنا اليوم بدون عمل، فنحن أوسعناهم شتماً وساروا بالإبل.

لو انطفأ النور في هذا المسجد الآن، كلكم يقول: انقطع التيار الكهربائي؟ فماذا نفعل؟ انطفأت الأنوار، انطفأت الأنوار، ثم نردد هذه العبارة، ماذا استفدنا؟ يعثر بعضنا في بعض، يطأ بعضنا بعضاً، يموت بعضنا بسبب تدافع بعض بدون فائدة؛ لأننا لم نزد على أن وصفنا الواقع، لكن لو قام واحد ذكي واشترى شمعة بنصف ريال وأشعلها لرأينا جميعاً، فهنا استفدنا بعد ذكر الواقع أن نوقد شمعة، وكما قال: لأن نوقد شمعة في الظلام خير من أن نلعن الظلام ألف مرة.

إخواني! واقع كثير من الصالحين أو الطيبين أو المستقيمين أو الدعاة -فضلاً عن سائر إخواننا الذين نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، وأن يذيقهم لذة الاستقامة- أنهم يحسنون وصف الأشياء ولا نعرف كيف نتعامل بعد ذلك، فأمثالنا أمثال من وقفوا في تقاطع الطريق، والسيارات ذاهبة غادية رائحة، واحد يجلس في الطريق، ويقول: هذه (التريلة) قربت وصلت فسوف تدعسنا دعستنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهل ينفع الوصف؟ لكن ينفع أن نبتعد عن طريق (التريلة) قليلاً حتى نسلم وتمر هذه السيارة أو الشاحنة بسلام.

إذاً: وصف الواقع من الأساليب التي اجتهد الأعداء أن يشغلونا بها.