للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السلام العالمي المزعوم]

إن الذي تتبع منكم العام الماضي بالذات ما يتعلق بالصحف والمجلات والجرائد الأجنبية كلها، والإذاعات الأجنبية كلها، ماذا تقول؟ عام السلام الدولي، عام الطمأنينة، عام الأمن والأمان، يغرسون في القلوب أنه يجب أن يعيش الناس مرحلة إلقاء السلاح ومرحلة هدوء تام، ورضى كل بما حصل له، المهم ألا تفكر بأكثر مما عندك وهذا مبدأ يريد الأعداء من خلال أبواقهم ووسائلهم، أن يقرروه في نفوس المسلمين، أن يقولوا لكل مسلم: لا تتحرك أكثر من كذا لا يمكن، حتى بلغ بالمسلمين من الهوان والضعف ما بلغ.

يقول لي أحد الدعاة وهو ألماني الجنسية مصري الأصل قال: كنت في زيارة لأهلي في مدينة المنصورة فسألت جارة لنا، تعيش في بيت خرب للغاية، مصر التي كانت تصدر للدنيا خيرات عظيمة، وكانت شوارعها تغسل بالصابون، القاهرة كانت تغسل بالصابون، ماذا حصل؟ كيف الحال يا أم سيد؟ وهي تعيش في بيت خرب أوشك على السقوط، وتطلب من جارتها أن تسكن في حضيرة الفراخ، فيقول لها: يا أم سيد كيف الحال؟ فتقول: يا بني لو أحسن من كذا (حتبوز) أي: لو وجد أحسن من البيت الخربان وحضيرة الفراخ فستخرب، أين همة المسلمين؟ أين الهمم التي لا ترضى إلا بالأعالي؟ أين الأم المجاهدة التي كانت تقول: لا تدخل هذا البيت حتى تأتيني برأس عدو الله؟ أصيب المسلمون بما يسمى بالتطبيع والهدوء، وعام السلام وعام الأمن وعام الطمأنينة، ينبغي لكل أن يقنع بهذا، وكما يقول الفاجر قباني:

بالسلم قانعون بالحرب قانعون

بالحر قانعون بالبرد قانعون

وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون

يصف ويستهزئ وهو من النصارى، شهد شاهد من أهلها، يصف حال أمته ومن حوله، يقول: إنهم قنعوا بما أراد الأعداء.

والله -يا إخوان- حينما ترى، ويتفاءل الرئيسان العظيمان بعد الخروج من قمة مالطا للحد من الأسلحة طويلة المدى، ونزع الصواريخ متوسطة المدى، والاتفاق بين حلف الناتو والأطلسي وو إلى أن يكون هذا العام عاماً جديراً بالسلام الدولي والأمني.

ما هذا السلام؟ سلام وفلسطين عند اليهود؟! سلام وأفغانستان عند الشيوعية؟! سلام وبورما تسيل من دماء المسلمين؟! سلام وأثيوبيا ستة آلاف امرأة يزنى بهن في السجون؟! سلام والفليبين يذبح المسلم فيها كما تذبح الشاه، وفي مانيلا وفي منديناو؟ كيف تطوف اللعبة على المسلمين، لأن النظرية السياسية والواقع السياسي اختلف، كنا بالأمس لا نرى راحة ولا طمأنينة حتى نتربع على الأرض من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.

أما الآن فغاية الطمأنينة عندنا أن نملك قطعة من الأرض على شارع أو اثنين، وسيارة صغيرة وزوجة صغيرة، إلى آخر ذلك.

لا يا إخوان! حينما نعرف الموال والعزف الموسيقي على وتر السلام فلنعرف ما هو السلام، سيحدثونك يا بني عن السلام: لكن ما هو هذا السلام الذي يتحدثون عنه، سلام يعيش فيه المسلمون أعزاء كرماء؟! سلام ينال به المسلمون أبسط حقوقهم كبشر؟! والله لقد عاملوا إخوانكم في أفغانستان وفي جنوب السودان وفي إريتريا وفي الفليبين وفي كثير من مواقع الأرض التي كانت السلطة والدولة والقوة فيها للمسلمين، عاملوهم أقل مما يعاملون البهائم والكلاب والدواب والحشرات، هل سمعتم بالإبادات الجماعية، والأسلحة الكيماوية؟! لا والله يا معاشر المؤمنين، أي سلام هذا الذي يراد أو يتحدث عنه، والمسلمون هكذا دماؤهم رخيصة، فحينما تسمعون العزف على وتر السلام اسألوا: ما هو السلام؟ أكلت يوم أكل الثور الأبيض، كانت فلسطين لا يتربع فيها إلا الفلسطينيون، وكذلك كل دولة من دول الإسلام، وأفغانستان لا يتربع فيها إلا الأفغان، كان أهل سجستان فيها، وأهل ترمذ فيها، وأهل بخارى فيها، وأهل طشقند فيها، وأهل جوزجان فيها، وأهل دوشمبي، وأهل طاجكستان كل أمة متمتعة، لكن جاء الدب الروسي الملحد فنهب قطعة من الأرض، فقال الذي بجواره: الحمد لله، ما دمت سليماً فالمسألة سهلة، فجاء الدب الروسي الشيوعي الملحد فنهب القطعة الثانية فقال الثالث: الحمد لله أنا سليم، فأخذ الثالثة، قال الرابع: أنا سليم، فأخذ الخامسة قال السادس: أنا سليم، حتى أكلت أراضي المسلمين وبلدانهم، بسبب التخلف في النظرية السياسية والانتكاس لماذا؟ أصبحنا فكرياً فضلاً عن عملياً نوافق أن يكون للكفار قائمة، وأن يكون للكفار دولة، وأن يكون للكفار أمة.