للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة العمل الإسلامي]

ثم نقول يا إخواني: في خضم العمل الإسلامي اليومي للإسلام لا يكون الواحد عابساً لا يضحك ولا يبتسم بل أضحك وأنا أعمل للإسلام، وأمازح إخواني وأنا أحمل هم القضية الإسلامية، وأتنزه مع أسرتي وأولادي، أعرف كيف أكون مسلماً طبيعياً مع حملي لهموم الإسلام.

الكثير من المسلمين يقول: وأنا يا أخي أعيش معقداً، فقط: أظل أتنفس الصعداء وهموم المسلمين، أنا أريد أن أضحك مثل الناس تقول: اضحك يا أخي، وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنعه جهاده الكفار أن يمازح صحابته؟ لا.

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:٤٣] الذي خلقك أضحكك وأبكاك، فلا يمكن أن ربك ينكر عليك الضحك والمرح وسعة الصدر، ولا يمنع أن توسع صدرك، ولكن الجهاد والعمل للإسلام لا يمنع أن تضحك وأن تمازح، وأنت ترد المنكر والشر عن بيتك، هذا إن كنا نصدق مع الله أيها الإخوة، هذا إن كنا ننظر أن الموت أجل مغيب.

يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل

الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

ينبغي أن نعلم أيضاً مع هذا كله أننا نحشر فرادى، وأن الإنسان لا ينفعه قريب ولا بعيد ولا ينفعه إلا عمله، حتى أمك وأبوك، الشلة التي تسهر معها، وزع يا أبا صالح، وابغ لنا الرابع يكمل الشلة الليلة، هؤلاء إذا كان أبوك وأمك ما نفعوك يا أبا صالح كيف بأبي عزيز الذي كلمك أو شرح لك أو أعطاك الحكم، هل هذا نفعك عند الله؟ لا، اعلموا يا إخواني! {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦] أبي أمي، ما أحد ينفعك، نفسي نفسي.

في حادثة النفق كنت حاجاً، ورأيت الناس ممن ليس عليه إزار ولا رداء ولا سروال ولا شيء، إزاره ورداؤه طائح وما يدري، يريد أن يتنفس هواء، ذهل أن عورته ظهرت وأن رداءه سقط، قلت: سبحان الله! في زحمة نفق غفل عن نفسه وما درى عن عورته، فما بالكم إذا ازدحم الخلائق في المحشر! وقبل يومين كنا في سجن الشرقية نحدث بعض إخواننا السجناء، نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، ما في مكيفات، مراوح شغالة، فلما ازدادت الرطوبة والحر والأنفاس، قام مجموعة من المساجين يصيحون صياحاً شديداً، قلت: سبحان الله! مراوح ومفروش ومظلل والعالم قامت تصيح من القهر: افتحوا لنا، هلكنا من الرطوبة والحر، سبحان الله! وأين الناس يوم تدنو الشمس من الخلائق قدر ميل، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ترقوته وثدييه، ومنهم من يلجمه العرق، فيا إخواني: إلا من؟ إلا (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: شاب نشأ في طاعة الله) هذا ما يجد العرق والشر والشمس هذه كلها، (وشابان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، وإمام عادل، ورجل معلق قلبه بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

يا أحبتي نحن بحاجة إلى أن نفهم الدين، حينما نناقش بعض أحبابنا وإخواننا الشباب عن الالتزام والتدين والاستقامة والتقوى والعبادة، والسعادة، يقول: أفهم والله أن فلاناً دين، ما معنى: فلان دين؟ أي: صار يضع الغترة كذا، ويطلع اللحية بالشكل ذا، وقصر ثوبه إلى ركبته، أهذا هو مفهوم التدين؟ لا.

ليس هذا مفهوم التدين، الشيطان يصور لنا أن التدين هكذا، حقيقة التدين أن تعرف مصلحة نفسك، أن تعرف أنك يوماً ما تؤاخذ وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، ويدنيك الله جل وعلا ويقررك بذنوبك ذنباً واحداً واحداً.

يا إخواني! لو قلت لكم: اذكروا ذنوبكم التي تستحون منها، فكل واحد يعرف ذنوبه، يعدها ويراها مضيئة، ولا يشك فيها، بل يعرف متى وقعت؛ في الوقت الفلاني، في اللحظة الفلانية، في الساعة الفلانية، في السيارة الفلانية {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:١٤] ولو قلت له: عد حسناتك التي ترجو بها لقاء الله؟ قال: والله ماذا أفعل! ما أحضر الصلاة مع الجماعة، وإذا صليت ما أدري عن هذا الوضوء، وإذا ركعت أو سجدت فلا أخشع، ولا أدري ماذا أقول، ولا أتدبر، وحالي ما يعلمه إلا الله، وتقصير في السلوك، وتساهل بالمعاصي، وأمور يأمر الرسول بها وأنا مقصر فيها، أي: يكاد يقطع يديه أمامك وما يذكر حسنة قدمها يدخرها عند الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ بلال: (يا بلال! إني سمعت دف نعليك في الجنة، فماذا تفعل؟ قال: إني ما توضأت إلا صليت بعدها ركعتين) أي: عمل مستمر مع القيام بالواجبات وترك المنهيات، نحن ما عندنا عمل نرجو أن نلقى الله به، لكن ذنوب نذكرها كما نعد هذا اللمبات في السطح.

ويا إخواني أسألكم بالله: هل فيكم من يكره الله؟ حاشا، كل واحد منكم يحب الله، فلو طرق ملك الموت الباب، وقال: الذي يحب الله يأتي معي يقابل الله، من يقوم منا.

كنت أخطب الجمعة في الرياض مرتجلاً، فإذا برجل كان أمامي، يتقلب فجأة هكذا، وفجأة هكذا، ثم أخذوا ماء ورشوا عليه ما تحرك، أخذوه إلى مستشفى الأمير سلمان، قالوا: هذا مات منذ ثنتي عشرة دقيقة، جاء ملك الموت في المسجد وقبض روحه وانتهى.

فيا إخوان أنا أقول وأنتم تقولون: لا نكره الله، ما فينا من يكره الله، لو جاء ملك الموت الآن وقال: يا إخوان! نريد واحداً يقابل الله؟ كل واحد يقول: انظر الذي بجانبي، اذهب إلى الثاني، أين الذي يحب الله؟ لأننا خربنا الآخرة وعمرنا الدنيا، فكرهنا أن ننتقل من العمار إلى الخراب، فاعمروا آخرتكم، وإنها فرصة وتوبة إلى الله جل وعلا.

يا أحباب! يا شباب! يا شيب! يا رجال! ومن يسمع هذا النداء والخطاب عبر الشريط من الفتيات والنساء، اسمعوا هذه النصيحة: أعدوا لأنفسكم وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].

أسأل الله جل وعلا أن يجعل ما سمعتموه حجة لنا ولكم، وأن لا يكون حجة علينا ولا عليكم، وأسأله أن يكون دفعة لنا في أن نفهم ماذا تحتاج أمتنا وما يحتاج واقعنا لنعمله، وكما قلت: لأن وصف الأمس ووصف اليوم لا يجدي شيئاً ما لم نعمل، العمل، التوبة، إصلاح النفس، فاقد الشيء لا يعطيه، نصلح أنفسنا ثم نستطيع أن نقدم الصلاح، ونستقيم على أمر الله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:١١٢].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.