للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السرعة في إطلاق الأحكام]

أيها الأحبة العجب كل العجب مما نراه اليوم ونسمعه من التسرع في إطلاق الأحكام، من التسرع في الحكم على الأمور قبل بحثها وإدراك أبعادها ومضامينها، وأسوء من هذا خوض الصغار في المعضلات، وخوض الجهلة في المشكلات، خوض الكثير في المعضلات بغير علم، فتجد النازلة المحيرة التي تتزاحم فيها المفاسد والمصالح وتتقابل، وتنوء بها عقول الجهابذة من العلماء، سرعان ما ترى صغيراً أو قليل علم يتحدث فيها برأي أو هوى، وأسوء من هذا أن يعيب الجاهل العالم، أو ينتقد القاصر الوافر بحكمته وتجربته، قاصر قليل التجربة ينتقد عالماً وافراً في حكمته وتجربته، فترى صوراً من التطاول وألواناً من التقدم بين يدي العلماء، ناهيك عن الخوض في أعراضهم، فيا سبحان الله! كيف يتجرأ صغير على كبير، وجاهل على عالم؟!

إذا عير الطائي بالبخل مادرٌ وعير قساً بالفهاهة باقل

وطاولت السحب السماء سفاهة وفاخرت الأرض الحصى والجنادل

وقال السهى للشمس أنت ضئيلة وقال الدجى يا صبح لونك حائل

فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل

وأسوء من هذا أن تجد الفئام من الطغام، يردون الوحل والسبخات، ويتركون الأنهار العذبة الزلالة من علمائهم الذين لا يشك في ورعهم وصلاحهم وتقواهم، فهل يجد هؤلاء الطغام غناءً عند أولئك الجهلة؟

متى تصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا

ومن يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا

وإنّ ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من أقسى البلايا

إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا