للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السلف مع العدل والأنصاف]

وقد أكد السلف الصالح رضي الله عنهم على أهمية هذا التوازن وضرورة العدل، وسطروا لنا أروع الأمثلة في هذا الباب، فمن أقوالهم الجميلة: قال سعيد بن المسيب: ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، لكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله.

وقال محمد بن سيرين: ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوء ما تعلم وتكتم خيره.

وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بـ مكة على سفيان بن عيينة، فقال لي ذات يوم: هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفة، فقلت له: فمن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي.

وكان أحمد قد جالسه بـ العراق، فلم يزل بي حتى اجترني إليه، وكان الشافعي قبالة الميزاب، فجلسنا إليه ودارت مسائل، فلما قمنا؛ قال لي أحمد بن حنبل: كيف رأيت الرجل؟ فجعلت أتتبع ما أخطأ فيه وكان ذلك مني بالقرشية -أي من الحسد- فقال لي أحمد بن حنبل: فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان -أو نحو هذا القول-؟ تمر مائة مسألة يخطئ خمساً أو عشراً، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب؟ فإذا ظهر هذا وتبين لكم أيها الأحبة علمنا أن تصيد الأخطاء وتتبع العثرات والبحث عن الهفوات، كل ذلك مع التغافل عن الحسنات، دليل على فساد القصد وسوء الطوية، ورحم الله الشعبي إذ يقول: لو أصبت تسعاً وتسعين وأخطأت واحدة لأخذوا الواحدة وتركوا التسعة والتسعين!