للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الناس مع رمضان]

الحمد لله الواحد بلا شريك، والعزيز بلا نصير، والقوي العليم بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الند، وعن الشبيه، وعن المثيل، وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله! بعد أيامٍ قليلة نستقبل شهراً كريماً، وموسماً رابحاً، طوبى لمن شمر واستعد، طوبى لمن اجتهد وجد، فإنه موسمٌ عظيم، يا حسرة المغبون والمحروم من خيره، ويا مصيبة الغافل من اغتنام فرصه، وهنيئاً للمجدين المشمرين المستعدين للعبادة فيه.

عباد الله: أقبل هذا الشهر الكريم والناس تجاهه على ثلاثة أصناف؛ طائفة من الناس يسألون الله بلوغه وتمامه، يسألون الله الإعانة على صيامه وقيامه، والقبول في كل عملٍ فيه، يسألون الله المضاعفة والمغفرة والرحمة، وأن يمضي الشهر عليهم بأوفر نصيب وأطيب حظ، وأولئك الذين تمنوا هذا الشهر واستعدوا له، منهم من حرص على جمع شرف المكان والزمان، فرغب أن يصومه في مكة المكرمة، ليجمع بذلك بين شرف الزمان في رمضان، وشرف المكان في مكة، وشرف الصلاة في المسجد الحرام، الصلاة الواحدة فيه بمائة ألف صلاة، فهنيئاً لأولئك، نسأل الله جل وعلا أن يجعل نياتنا وإياهم خالصةً لوجهه.

وطائفة من الناس استعدوا لهذا الشهر بالمأكل والمشرب، وطول النوم والكسل، والتهاون عن الصلاة في النهار بحجة أنهم صائمون، ولا نصيب لأولئك أن غفلوا عن الصلاة وهم صيام، بل الذي ينبغي لهم أن يحتسبوا وأن يدركوا أنه موسمٌ عظيم، ما هو بموسم أكلٍ ولا شرب، وإنما هو موسم صومٍ وإمساك حسيٍ ومعنوي، إنما هو موسم صلاح وعبادةٍ وتوبةٍ صادقة، إمساكٌ عن المحرمات، وعن الغيبة والنميمة، وعن الملهيات، والمصائب والمشغلات، إمساكٌ عن كل ما يغضب الله، والتفاتٌ إلى العبادة والطاعة.

وطائفة ثالثة من الناس يعدون الأهبة للهروب من هذا الشهر على شواطئ البلاد الأوروبية بعيداً عن فريضة الصيام، وبعيداً عن هذه الفريضة المباركة، فيا حسرتهم ويا ويلهم، ولا تقولوا: هذه مبالغة، بل إن من الناس من يفر إلى ذلك هرباً من الصوم، لما قيل لأحدهم عياذاً بالله من حاله: قد أقبل شهر رمضان، قال: لأشتتن شمله في الأسفار، أي: يسافر من هنا إلى هنا، ليترخص بذلك في الفطر، وليتهاون بذلك في العبادة، فهذا على خطرٍ عظيم إن مات على ذلك، نسأل الله جل وعلا أن يبلغنا وإياكم هذا الشهر على أحسن حال من الصحة والعافية، والتوبة الصادقة النصوح.