للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حاجتنا إلى المنهج القرآني العادل]

هذا العدل الرباني العظيم وإن كان هذا نوع استطراد عن موضوع المحاضرة لكن لا بأس؛ لأننا أيها الأحبة ربما أسرفنا شيئاً ما في بعض المواضيع فأسهبنا وتعمقنا في ذكر منكرات وسيئات ومعاصٍ ونسينا أن في مجتمعنا حسنات، وربما ابتلينا ببعض المنافقين والمداهنين الذين أخذوا يزيدون ويبالغون ويذكرون الحسنات حتى ظن بعض الناس أنه لا يوجد ولا يتصور أن يوجد على وجه الأرض مجتمع أفضل منا، أو يظن البعض أن صورة مجتمعنا هذه هي صورة شرعية مطابقة للكتاب والسنة على درجة (١٠٠%) وهذا أمر لا يجوز، حاجتنا أن ننظر بعين العدل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:١٣٥]، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

حاجتنا أن ننظر بالمنهج القرآني، اقرأ من أول سورة آل عمران: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران:٧١] {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران:٩٩] {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ} [آل عمران:٦٦] خطاب وعتاب وكلام شديد على أهل الكتاب، ثم بعد ذلك يأتي قول الله: {لَيْسُو سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:١١٣] انظر إلى هذا العدل القرآني حتى مع الذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣] وقالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] وقالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] وانظر نفس العدل وذات العدل من رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:٤٠] {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} [يونس:٤٤]، وكما يقول ربنا عز وجل في الحديث القدسي: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً) انظر هذا العدل حتى مع الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] وحتى مع {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:١٨١] قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ} أي: جبل من الذهب {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} [آل عمران:٧٥].

نحن بحاجة إلى الوسطية والاعتدال في منهج الدعوة في الأمر في النهي في الإنكار في النصيحة في الموقف في كل شئوننا، وحينئذ نضمن بإذن الله سلامة سفينتنا، ومضي إبحارها على طريقة متواترة توصلها بإذن الله جل وعلا إلى بر الأمان وشاطئ السلامة.

أيها الأحبة: أعود إلى أصل الموضوع لأقول: إن من يعتقد أن أهل السفينة ومجتمع السفينة ينبغي أن يكون مجتمعاً لا معصية فيه، أو لا يتصور أن توجد فيه الخطيئة فقد ضل ضلالاً بعيداً، ولو كان المقصود في الناس والحال التي عليها ولأجلها خلقوا أن يوجدوا على وتيرة لا معصية فيها ولا ذنب لَمَا كانت ثم فائدة عظيمة أو حاجة بليغة إلى آيات التوبة والاستغفار.

الصحابي الذي جاءته امرأة وكان تماراً في المدينة وقد أعجب بجمالها فقالت المرأة وهي قد قدمت لشراء التمر: هل عندك تمر أجود من هذا؟ قال: نعم.

في البيت أجود منه، فلما خلا بها في داره أو أغلق الباب وأوصده دونها كأنه مَسَّ شيئاً من جسدها، ولم يبلغ معها ما يوجب حداً، قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان الذي فسره في الحرم المدني، ولستُ أدري هل هذا مذكور في الأضواء أم لا، قال: لعله كان بينه وبينها شيء من الضمِّ أو التقبيل أو نحوه وأمر لا يوجب الحد، فلما حصل ما حصل ندم الرجل وعاد نادماً آيباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك، فما لبث النبي حتى تغشاه الوحي وأنزل الله جل وعلا آية مدنية في سورة مكية في سورة هود: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

إن ذلك الصحابي يوم أن أذنب ذلك الذنب لم يُنْفَ من المجتمع، ولم يُصَنَّف مذنباً، ولاحظوا هذه المسألة الخطيرة التي بلي الناس بها في هذا الزمان عند أدنى ذنب أو خطيئة أو زلل أو خطل ونحوه فإنه سرعان ما يصنَّف ولا يُلْتَمَس له عذر، ما صُنِّف مذنب في عصر الصحابة ولا عصر النبي صلى الله عليه وسلم بل يقال: مخطئ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:٣٢].

الناس واحد من ثلاثة: إما سابق بالخيرات.

وإما مقتصد.

وإما ظالم لنفسه.

هكذا ينبغي أن ننظر في تعاملنا مع بعضنا ونحن في وسط هذه السفينة التي تمخر بنا عباب بحار مليئة بأمواج خطيرة ومتلاطمة.