للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انتشار الخير وانحصار الشر دليل على البقاء]

أيها الأحبة: إن الخطر على سفينة المجتمع قد لا يكون بكثرة الشر، بل إن انحصار الخير أيضاً من المخاطر التي ربما كانت سبباً في حلول مزيد من الشرور والآثام، ولا تقف الأمور عند حد معين، فينبغي أن نعلم تماماً أن حاجة الأمة إلى المزيد والبذل والمواصلة والعطاء الدائم المستمر حتى وإن انخفض منحنى بذل الأمة ودعمها شيئاً لا بد أن يستمر، المهم ألا يتوقف الخير بأي حال من الأحوال، وهذا يعني أن الخير لا بد أن يظهر وأن يفشو.

ومن علامات ظهور الخير وفشوه: نشاط جلي في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا وَجَدْتَ في الأمة نشاطاً جلياً واضحاً في الدعوة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاعلم أنها دلالة خير، وإن وَجَدْتَ الخير يخبو والإنكار ينتهي أو يقل أو يضمحل فاعلم أنها قرينة شر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لذلك يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في هذا المعنى في رسالته إلى واليه على المدينة، قال: [وليفشُ العلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً] إذا قَلَّ الخير واضمحل حتى أصبح رجل خير أو داعية خير لا يمكن أن يعلم أو يتعلم أو ينفع إلا سراً فهي دلالة شر، أما إذا كان الخير ظاهراً والعلم منتشراً وظاهراً فهي دلالة خير، وهذا مما يحمِّل الأمة مسئولية الإعلان بالخير في كل مكان، حتى ولو لم يجتمع لك إلا واحد أو اثنان أو ثلاثة، المهم أن تعلم أن الخير ممكن وميسَّر ومستمر.

وعند هذه النقطة اسمحوا لي أن أعاتب بعض الذين قد نسجت العناكب على عيونهم وعقولهم خيوطاً، وكبَّلتهم عن التفكير، وقعدت بهم عن المضي في الدعوة إلى الله جل وعلا بحجة أنهم يخافون، إني أعلم أن أناساً يخافون من الدعوة إلى الله، والانتماء إليها، والانخراط في سلك الدعوة والعلماء والدعاة، ومناصحة الناس، ومخالطة الولاة، ومناصحة كل بقدر ما يحتاج، والثناء على كل بقدر ما يستحق، أناس يخشون من هذا ويهابونه هيبة عظيمة؛ لماذا؟ بحجة أنه خائف، ما الذي عندك؟ الله أعلم! إني أعجب من أناس ربما بعضهم لم يكتفِ بأن ينأى بل نهى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:٢٦].

في منطقة من المناطق شكى عدد من الشباب أن آباءهم يمنعونهم من الدعوة إلى الله والمشاركة فيها، والاشتراك في بذل الخير؛ سواء كان توزيع شريط أو طباعة كتاب أو اشتغال بأمر من أمور الدعوة، فإذا خاطب الشباب آباءهم وقالوا: لماذا تمنعوننا؟ قالوا: نخاف عليكم.

مم تخافون عليهم؟! هل في مراقدهم طائرات؟! وهل في وسائدهم متفجرات؟! وهل في مطابخهم بارجات ومدمرات؟! أمر عجيب جداً من أناس يخافون من الخير وهم لم يفعلوا للخير خطوة واحدة، يا أخي! مم تخشَ منه؟! هل قيل لك: وزع شريطاً ممنوعاً؟! إن الذي يتبنى توزيع الأشرطة الممنوعة لَهُوَ على خطأ كبير جداً، لكن عندك آلاف الأشرطة المسموحة، اشتغل وانشط، وامضِ وصِلْ، وأعطِ ووزع وانشر منها ما استطعت من خير فهذا من ضمانات وروافد استمرار الدعوة إلى الله جل وعلا، الكتاب الذي توزعه هل طبع في مطبعة يهودية أو مطبعة بعثية أو ضالة، طبع في بلاد مسلمة تحت رقم وتصريح من وزارة الإعلام، هل تتصور أن يوجد تناقض بأن الوزارة تسمح بطبعه ثم يُمْنَع من توزيعه، لا يمكن أن يُتَصَوَّر مثل هذا التناقض.

إذاً: فمن واجبك أن تنشط في الدعوة إلى الله، ولا تخشَ شيئاً، ولا تهب من قليل ولا كثير، إنك تعجب من بعض الشباب إذا كلمته قال: أنا مراقَب، وقلتُ هذا مراراً في أكثر من محاضرة، يا فلان ادعُ إلى الله، يا فلان أعطِ جارك شريطاً، يا فلان أعطِ طلابك شيئاً ينتفعون به، يا فلان إذا جاءك أقاربك وزع عليهم من الكتيبات والأشرطة، قال: أنا أخشى أن أراقَب، وممن تراقَب؟ ثم ماذا يعني؟ افترض أن ما تَوَهَّمْتَه صحيح:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدَّق ما يعتاده من توهُّمِ

هب أنك مراقَب، ثم ماذا؟ الحمد لله أنك مراقب، وأن صفحتك بيضاء.

يا أخي الكريم، ويا إخوتي الأفاضل، ينبغي أن نمارس الدعوة كما نشرب الماء يوم (١) شوال، هل يجوز لأحد أن يصوم يوم العيد؟ لا.

ينبغي أن تمارس العمل الدعوي كما تمارس شرب الماء في نهار (١) شوال، في نهار يوم العيد لا بد أن نلغي عن أنفسنا عقدة الخوف من الدعوة إلى الله جل وعلا، وإن كثيراً يملكون قدرة على الخطابة، ومواهب شعرية، وأقلاماً نثرية، وكلمات جيدة، وأساليب نافعة، وحوارات مقنعة، وخيراً كثيراً ينفع في الهداية والدعوة، ولكن تبقى العقدة: أخاف وأخشى وو إلى آخره.

يا أخي! مِمَّ تخش، اتقِ الله وتحرك وانفع هذه الأمة التي هي بحاجة إليك في الداخل وفي الخارج.

كذلك أيها الأحبة حينما تترك الأمةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها على خطر عظيم، ولأجل ذا تتضح مثل هذه المعاني في قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:١١٦] إلى أن قال ربنا جل وعلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٧] نريد السلامة والأمن والطمأنينة والنعم والخيرات والنجاة من الهلكات والدركات؟ الأمر بالمعروف، الإصلاح، الدعوة بأساليبها وضوابطها.