للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من حقوق ولاة الأمر: السمع والطاعة]

أيها الأحبة! إن هذه القضية حينما نتكلم عنها فلا تعني أننا لا نتكلم عن غيرها، فإن هذا من الفهم القاصر الذي أتي من جهته كثير من الناس، ولا أريد أن أطيل بهذه المقدمة، لكن أقول هذا أوان الشروع بالمقصود فالقول بعون الله: إن أهل السنة وسط عدول بين طوائف الرافضة وطوائف المعتزلة والخوارج.

فـ الرافضة يقدسون الأئمة والولاة إلى درجة الغلو والعصمة، فلا يرون في فعل الأئمة منكراً فضلاً عن الإنكار عليه، وأما الخوارج والمعتزلة فإنهم يرون الأمر والنهي مع الولاة بالسيف، والخروج عليهم بالشوكة وكسر البيضة مع القول بتكفيرهم وتخليدهم في النار، ويرون ذلك من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طرف يغلو ويقدس الولاة، وطرف يسل السيف على الولاة، فجاء أهل السنة وسطاً عدولاً في هذا الأمر، لا يعتقدون للولاة عصمة من الخطايا والكبائر والصغائر، ولا يغلون فيهم، بل يتصورون وقوع الأخطاء والكبائر والصغائر منهم، ويرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاههم، لكن يحفظون حقهم ومنزلتهم في تحقيق الحكمة حال الأمر والنهي وهي: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي دون الخروج والتأليب أو التحريش بهم.

ويمكن أن نجمل حقوق ولاة الأمر في العناصر الآتية: أولها: السمع والطاعة في المعروف.

ثانيها: النصح ومنه الدعاء والإعانة على الحق.

ثالثها: توقيرهم في النفوس وعدم الاستهانة بشأنهم لما في ذلك من المفاسد العظيمة.

رابعها: تأليف الشاردين عنهم إليهم لما في ذلك من درء الفتنة وجمع الكلمة.

وهذا هو موجز الحقوق وإليكم الإيضاح بالتفصيل ما أسعف الوقت بذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:٥٩] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: والظاهر والله أعلم أن هذه الآية عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء.

وأخرج البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وهذا الحديث: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) لذلك الذين يريدون الانقلاب ويريدون الخروج على الأئمة، ويريدون القيل والقال في علمائنا وفي ولاة أمرنا حينما يريدون أن يحدثوا الفتنة في هذا المجتمع الذي نعيشه لا يبدءون بمسألة قبل مسألة، إقامة أدلة، بل لوي أعناق نصوص، وتكلف أدلة، وتمحل أدلة حتى يقولوا بأن هذه البلاد التي نحن فيها كافرة، فإذا كانت بلادنا كافرة؛ إذاً لا قيمة للحكام ولا قيمة للولاة ولا قيمة لهؤلاء العلماء الكبار ولا مكانة ولا منزلة لهم؛ ولأجل ذلك رأينا أن الذين شقوا العصا وخرجوا وكفروا، بدءوا بالاستهانة بالعلماء وبالتقليل من شأن كبار العلماء، تكلموا في شأن الشيخ/ ابن باز وقالوا: هذا الإنسان لا يفقه ولا يفهم، وتكلموا في الشيخ/ ابن عثيمين وقالوا: هذا إنسان ليس له رأي بين، وتكلموا في كبار العلماء وقالوا فيهم ما قالوا؛ هل بينهم وبين ابن باز عداوة؟ لا، هل بينهم وبين ابن عثيمين عداوة؟ لا، إنما أرادوا أن يكسروا السفينة حتى يغرق من فيها، أردوا أن يكسروا هيبة العلماء حتى إذا انتهت مكانة العلماء تلفت الناس يميناً ويساراً يريدون أحداً يقتدى بقوله ويتأسى بفعله، فلا يجدون إلا هؤلاء الخوارج ولا يجدون إلا هؤلاء المكفرين الذين يستهينون بالعلماء، ويسقطون قدرهم ومنزلتهم، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان على ما يصفون ويقولون.

ومن أدلة لزوم الطاعة والجماعة ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمرني بالجماعة، وإنه من خرج من الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) ومن ذلك ما أخرجه الإمام أبو داود وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبراً خلع ربقة الإسلام من عنقه) ولله در عبد الله بن المبارك المجاهد التاجر الغني الثري العالم المحدث الفقيه قال:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا

كم يرفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا