للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نداء للعودة إلى الله قبل نزول الموت]

فيا أيها المسلم! يا تائهاً بوادي الهوى! انزل ساعة بوادي الفكر يخبرك بأن اللذة قصيرة، والعقاب طويل.

وا عجباً لمن يشتري شهوة ساعة بالغم والنكد! كانت المعصية ساعة لا كانت، فكم ذلت بعدها النفس، وكم تصاعد لأجلها النفَّس، وكم جرى لتذكارها دمع، أعاذنا الله وإياكم من الغفلة وسوء المنقلب.

فيا أيها الأحبة! إلى كل غافل: عد قبل أن تتذكر عند الموت.

وإلى كل ظالم: رد الحقوق إلى أهلها قبل أن تقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنافقون:١٠] لترد حقوقاً إلى أهلها.

وإلى كل بخيل شحيح أمسك المال عن أوامر الله ومصارفه، نقول له: أنفق قبل أن تقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:١٠].

وإلى كل متمادٍ في غوائه، وإلى كل سكران في غيه وغفلته، نقول: عد قبل أن تفيق في معسكر الأموات، نقول: عد قبل أن يكشف عنك بصر حديد: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:٢٢] وإلى كل مغرور بجلسائه وخلانه نقول: تيقظ قبل أن يتبرأ بعضكم من بعض فتقول: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:٢٩].

إلى كل من طغى وبغى وغفل وتمادى، إن الموت هو النهاية، وإن الموت هو الغاية، كم تحت هذه الأرض من الأثرياء، ما دفن معهم من ثرواتهم شيء، بل تقاسم ورثتهم أموالهم، وكم تحت هذه الأرض من عالم، ومن صالح، ومن عابد، ومن مجاهد، ومن منفق، ومن حاكم عادل، كم تحت هذه الأرض من أناس مضوا في طاعة الله، فما استطاع أحدٌ أن يقتسم من أعمالهم الصالحة حسنة واحدة.

إن الورثة بعدك يتقاسمون أموالك، لكنهم لا يتقاسمون أعمالك، هل سمعتم أن ورثة جاءوا ليقتسموا صيام آبائهم، أو حج أمهاتهم، أو صدقات زوجاتهم وأزواجهم، لا.

إنما جاءوا ليتقاسموا أموالهم من بعدهم، أما العمل الصالح فهو لك وحدك، لا شريك لك في هذا العمل، أنت تملكه، والله عز وجل هو الذي يتقبله، حينما تكون نيتك صالحة خالصة، أردت بها وجه الله عز وجل.

فيا أيها الأحباب! عوداً عوداً إلى الله، ورجوعاً رجوعاً إلى التوبة، وإنابة إنابة، فإن اللذات التي يتسابق فيها الغافلون لذات زائلة، ويبقى وزرها، وإن التعب والمجاهدة التي يكابدها الصالحون تعباً منسيا، ويبقى أجورها.

اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل

ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل

إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل

وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل

اللهم ارزقنا الاستدراك قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات، اللهم ثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، اللهم لا تمتنا على غفلة، اللهم لا تأخذنا على غرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم إنا نسألك عيشة هنيئة، وميتة سوية، ومرداً مرضياً، ومنقلباً مرضياً غير مخز ولا فاضح، برحمتك يا رب العالمين، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيها أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.

اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، وارحمنا اللهم برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم لا تشمت بنا عدواً، ولا تفرح علينا حاسداً، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع كلمتنا، اللهم وحد صفنا، برحمتك يا رب العالمين.

اللهم صلِّ على محمد وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.