للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تناقض الكذب مع المصلحة]

ولا غرابة يا عباد الله! فمن يحدث في الحديث كذبا، أو يحدث بكذب الحديث، يحتاج إلى كذبٍ آخر، ليؤكد به الكذب الأول، إذ لا يعقل أن يكون مصداق الكذب حقاً وصدقا، وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا) رواه الإمام مسلم وغيره.

وحسبكم يا عباد الله! أن الكذب من علامات النفاق، قال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) متفق عليه.

ومن أنجس الحماقات وأخبثها، من يدعي أنه يكذب لمصلحة الدعوة، أو من يدعي أنه يكذب للإصلاح، أو لإصلاح الأوضاع الفاسدة، وهل عقم الدليل؟ وهل شح النص؟ وهل ضعفت النصوص الصحيحة الصريحة؟ هل عجزت عن الإصلاح حتى نصلح أحوالنا بالكذب؟ نعم.

ليس من الكذب الكلام في إصلاح ذات البين وما استثني بالنص، ولكن أن نظن أن الكذب أو التحريف سوف يجر خيراً ومصلحة وحقاً، فهيهات هيهات إنك لا ترجو من الشوك العنب، واليوم ظهرت سرية من أعوان الكذابين والكاذبين، تمارس حرباً نفسية على كل من لم يوافق هؤلاء المفترين، أو على الأقل يسكت عن الحق الذي يعلمه، حتى أصبح بعض العقلاء يعلم في نفسه، كذب بعض ما يدور ويتناقله الغوغاء على الألسنة، ولكن بعض هؤلاء العقلاء يخشى من أعوان المفترين، أن يصنفوه أو ينالوه بكذبة تجعله في عداد المكذوب عليهم، ولذا تراه يتردد عن القول بالحق والنطق به، فيقول: إن سكت سلمت من ألسنتهم وشائعاتهم وأقوالهم، وإن تكلمت لم أنج حتى من الشائعة أو التهمة بأدنى باقعة.

ونقول لكل عاقل: لا تدع الصدق لأنهم يكذبون، ولا تدع الأمانة لأنهم يخونون، ولا تدع الوفاء لأنهم يغدرون، ولا تدع الأمر بالمعروف لأنهم عن المنكر يسكتون، والله المستعان!