للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طاعة الإمام المتغلب على الناس بسيفه]

يقول الإمام أحمد رحمه الله في شأن لزوم الطاعة حتى ولو للإمام الذي قهر الناس بسيفه، ولو للإمام المتغلب، يقول: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً، كان أو فاجراً.

وقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك -والمراد: اجتماع الكلمة عليه- وكانت الكلمة قبل ذلك متفرقة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان كل ينادى بأمير المؤمنين، يقول عبد الله بن دينار: شهدت عبد الله بن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك فكتب ابن عمر -بعد الاجتماع-: [إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بني قد أقروا بمثل ذلك].

يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله معلقاً على هذا الأثر في الفتح: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء وهذا الكلام كما تلاحظون هو في الإمام المتغلب، وهو الذي تسمى بيعته بيعة الإجبار، وفي ذلك يقول الشوكاني رحمه الله أيضاً: لا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أو تنفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل ذلك المنازع إذا لم يتب، ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته.

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله ما معناه: إن الحاكم والسلطان المتغلب إذا لم يستجمع شروط الإمامة لكن تم له التمكين واستتب له الأمر؛ وجبت طاعته وحرمت معصيته، حتى لو جاء إمام آخر مستجمع للشروط، فلا يطاع ولا يستجاب للإمام الأخير، ويسمع للإمام المتغلب الأول الذي انعقد له الأمر واجتمع الناس إليه.