للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع الشباب في الجانب الاجتماعي]

واقع شبابنا اليوم عجب عجاب في الجانب الاجتماعي والتربوي، عزلة شعورية عن المجتمع، واتصال بما وراء البحار، وهنا لا أعمم حتى لا أظلم، ولكنه حال كثير من شبابنا ويا للأسف! وإن كنا جادين بحثاً وطلباً للدواء والعلاج، فلا بد أن نصدق في تشخيص الداء ووصف مظاهر المرض؛ لأن الطبيب الذي لا يصدق مريضه والمريض الذي لا يصدق طبيبه هيهات أن يصل أحدهما إلى العلاج، العزلة الشعورية التي حلت بكثير من الشباب فهم يعيشون في مجتمع المسلمين ويسمعون الأذان، والمساجد من حولهم ومظاهر مجتمعهم غالبها مظاهر إسلامية، ولكن شعورهم مرتبط بالعواصم الأوروبية، والقناة الفضائية من خلال الشاشة الملونة تنقل لهم كل جديد يدور على أرصفة باريس أو بحيرة جنيف أو شوارع لندن فتراهم مولعين بالتقليد الواحد منهم يفخر أن يكون أول سابق للببغائية والقردية والتقليد، (ولتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) إني لأعجب يوم أن أرى بعض الصفات وبعض السلوك والتصرفات على شبابنا، ثم يزول العجب إذا علمت أن ما رأيت قد عرض البارحة على قناة عربية أو أجنبية تيقنت من خلالها أن هذا الشاب يعيش في مجتمع مسلم لكنه يعيش في عزلة شعورية، هو يعيش بينهم لكن شعوره وفكره مرتبط بهذه القناة وما تنقله الفضائيات عبر الشاشة الملونة من هناك، وكأنما الأمر تحول إلى خلل خطير وهو جانب الانتماء:

وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع

أنت معدود علينا ومحسوب من سكاننا، ولكن لو أصابتك مصيبة لدعينا نحن أن نبذل من جيوبنا لإسعافك وأن نتبرع من دماء عروقنا لإنقاذك، ثم لما شفاك الله وعافاك وجدنا ولاءك واهتمامك، وجدنا حرصك وتقليدك، وجدنا عنايتك ومتابعتك لقوم هم الذين ذبحونا وذبحوا أمتنا وما فتئوا يودوننا خبالا وعنتاً وخراباً وضلالاً، لماذا يا أخي أنت محسوب علينا ومعدود على أمتنا في أمة المليار وتعيش هذه العزلة الشعورية؟ نعم، بل وأكبر من ذلك لو أن أحداً تجرأ عليك ليرميك أو ليصمك وصمة تغض من شأنك في دينك، لرفعت عقيرتك وعلا صوتك واحتج لسانك وأشار بنانك معترضاً على هذا، ولكن الواقع يشهد بالانفصام ويشهد بهذه العزلة الشعورية التي جعلتك تعيش بيننا لكن مشاعرك قد نقلتها الشاشة الملونة عبر الفضائية أو الفضائحية القبيحة الخبيثة لتكون واحداً ممن يحبون أولئك غير آبه بما يفعل أولئك، ربما أعجبك عند القوم مغنية خالعة، ربما أعجبك عند القوم مطرب ماجن، ربما أعجبك عند القوم مشاهد ربما قادتك الشهوة إلى متابعتها ومسارقة النظر إليها وطلب الخلوة لمتابعتها، ولكنك تأكيداً لعزلتك الشعورية لم تلتفت للخطباء الذين بحت أصواتهم وهم يقولون: إن هؤلاء الذين تتابعهم ذبحوا إخوانك في الشيشان واغتصبوا أخواتك في البوسنة وكوسوفا، وجوعوا إخوانك المسلمين في الصومال، وحاصروا المسلمين وذبحوهم في كشمير، لم تلتفت لهذا لو كانت المشاعر مفتوحة لنا ولغيرنا لسمعت نداءنا على الأقل كما سمعت نداء غيرنا، لكن الواقع يشهد أن مشاعرك توجهت إلى أولئك واشتغلت بأولئك عن إخوانك، فأين الولاء؟ والله عز وجل يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١]، والله يدعونا أن نحقق ولاء كولاء الكفار فيما بينهم حيث يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣].

واقع كثير من شبابنا اليوم مع العزلة الشعورية البعيدة عن الحضور الفاعل لقضايا الأمة بل وقضايا المجتمع، واقع بعض هؤلاء الشباب في قوقعة وحصار عجيب قوقعة مع من؟ مع شلة محدودة لا يبغي بهم بدلا ولا يرضى عنهم حولا ولا يريد أن يترحل عنهم بعيداً قليلاً ولا كثيراً، فزاد مع عزلته الشعورية هذا الحصار بمجموعه على روتين من الغفلة غريب ومريب، فقدته الجماعة وغاب عن وجوه الأخيار في منازل الأبرار، وأصبح همه السهر بالليل والجلوس وترداد الحديث وتكرار اللقاءات دون أي جدوى وبدون أي فائدة، بل إن بعض هؤلاء قد تطاول به الأمر إلى درجة الهروب من تحمل المسئولية، بل وردد بعضهم ما ردده بعض الكافرين، حيث أراد أن يتخلص من تبعات الأسرة، ويريد أن يعيش على علاقات محرمة مفتوحة بسبب ما أشرب في قلبه من حب تلك المشاهد التي رآها عبر تلك الفضائحيات، هذا واقع طائفة من الشباب.