للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع الشباب في الالتزام والعبادة]

وأما طائفة من الشباب فأمرهم مع العبادة أمر عجيب، يهون على أحدهم أن يمشي عشرة كيلومترات يومياً طلباً للرشاقة وتخسيس البدن وتنحيفه وتنقيص الوزن، ولكن يعجز بل يشق عليه أن يمشي عشر خطوات إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة، مستعد أن يمشي عشرة كيلو متر ويتفاخرون في المجالس واللقاءات أنا أمشي يومياً خمسة كيلو متر أنا أمشي يومياً عشرة كيلو متر وأنقص من الوزن يومياً كذا وأفقد من الوزن كذا من السعرات الحرارية، فكم خطوة مشيتها إلى المسجد، لا، المسجد في نظر بعضهم لا يستحق هذا المسير لكن تخسيس الوزن والحقيقة أنه تخسيس القلب والفؤاد ليس تخسيساً للوزن كما يسمى هو تخسيس للقلب والفؤاد، لست بهذا ضد المشي وضد الرياضة وضد اللياقة وضد الرشاقة، بل نحن جميعاً علينا أن نمشي وأن نتقوى وأن نجعل هذه العقول والقلوب تجمع معها أبداناً قويةً نشطة فاعلة، لكننا ضد أولئك الذين أقدامهم تسابق فحول المرثون لكنها معوقة حسيرة كليلة عن شهود الصلاة مع جماعة، لسنا مع أولئك الشباب الذين يتسابقون في رفع الأثقال، يجمع الواحد همته ويتدرب زمناً وربما أخذ يشرب الماء بمقدار ويضع السكر في طعامه بمقدار ويترك ما تشتهي نفسه ويشرب ما يعافه بدنه من أجل المحافظة على هذا الوزن وطريقته وهيئته ولياقته وكمال جسمه كما يسمى، لكنه لم يجاهد نفسه دقيقة ليقول: رب إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن، لم يجاهد نفسه لحظة ليقول: معاذ الله، وليتذكر نعم الله عليه فلا يصرف نعماً آتاه الله إياها في أسباب سخطه، إن مجاهدة النفوس على رفع الأثقال أمر يسير، لكن مجاهدة النفوس من أجل السلامة من مجالس اللهو والخنا والعفن والزنا أمر على بعضهم جد عظيم، بل يعلن أحدهم وكثير منهم عجزهم ويقول: إني عاجز عن هذا أبداً، يا سبحان الله! أطقت حمل الأثقال والسير على الأقدام المسافات الطوال، وعجزت عن المشي إلى صلاة الجماعة، ومجاهدة النفس عن معصية الله سبحانه وتعالى!! هذا واقع بعض شبابنا اليوم، ولنكن صرحاء أن منهم من يعد بالتوبة ويرجو الإنابة ولكن إذا ذهب الشتاء إذا زال حر الصيف إذا انتهى من العطلة الصيفية إذا حج ومتى يحج؟ إذا تزوج ومتى يتزوج؟ إذا وإذا وإذا:

تسألني أم الوليد جملا يمشي رويداً ويجيء أولا

يريد أن يتوب لكنه قائد للسفهاء! يريد أن يهتدي لكنه في زمرة الضعفاء! يريد أن يستقيم لكنه في عداد الضائعين المنحرفين! ويريد دواء آلياً أتوماتيكياً نووياً سريعًا لا يكلفه المجاهدة لحظة، والله عز وجل قد جعل الطريق إلى الهداية بالمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩]، نعم، الحضارة الغربية بمكتشفاتها ومخترعاتها قد اخترع أساطينها أشياء كثيرة: السيارات السريعة، الطائرات المحلقة، الغواصات التي تبحر في ظلمات البحار، الإلكترونيات، العجائب المخترعات، لكنهم لم يخترعوا شيئاً يخلق الإرادة في نفس الإنسان الذي ينتظر الهداية بكبسولة دواء وجرعة شراب، ولقمة طعام أو إبرة في العضل والوريد، فما أطول ما ينتظر في أمر الهداية لكن الذي يريد الهداية جاداً صادقاً عليه أن يجاهد نفسه حتى يحصلها، والواقع شاهد على أن أولئك إذا أراد أحدهم أي أمر من الأمور بنصيحة طبيب، أو كاتبٍ أو بأمر قرأه في قصاصة مجلة أو جريدة أو في لقاء رآه في شاشة فضائية وقالوا: لن تستطيع أن تصل إلى هذا الشيء إلا بالحرمان من كذا وفعل كذا والتدريب على كذا، عذب نفسه حتى يبلغ ذلك، وربما سمعته يتصل على الفضائية ويقول لذلك الذي يتسيد الحوار: فعلت ما وجهت وقمت بما نصحتم، وفعلت ما أمرتم، ولكنني لم أحقق النتائج المطلوبة، لكنه لم يستجب لأمر الله سبحانه وتعالى وهو أمر محتم عليه واجب لا تردد فيه أن يستجيب له.