للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقليد والتبعية في حياة الشباب]

وبعض الشباب في واقعهم الأخلاقي والسلوكي ترى ما يندى له الجبين من التقليد والتبعية والتسابق المحموم ليكون في مقدمة المنفذين الفاعلين المترجمين لهذه التي تسمى الموضة، ويقابل ذلك أنانية وأثرة وحب للذات واحتيال وهروب من الحقيقة والصدق وغرور وإعجاب في ظاهر الأمر لا في حقيقته، يؤكد ذلك أن الكثير منهم أن يلفت نظر الآخرين إليه بما يفعله من هذه الأمور المقيته القبيحة، وإلا لو كان يملك الشيء الثمين لما احتاج أن يزوق ويزين ظاهره بالتوافه التي تلفت الأنظار إليه، وخذوا على سبيل المثال مظاهر التقليد والتفحيط وإزعاج الناس والمعاكسات، بل والتخنث عند بعض الشباب ما هو في الحقيقة إلا شعور بالخواء، ويقين بالفراغ الداخلي الروحي القلبي، ولا يستطيع أحد أن يلفت نظر الناس بخوائه، ولا يستطيع أحد أن يلفت أنظار الناس بكذبه، ولا يستطيع أحد أن يلفت أنظار الناس بضعف شخصيته، وهزيمته النفسية، فكان لابد أن يحدث شيئاً يدعو الناس إلى الالتفات إليه، فما الذي يدعو الناس إليه؟ يريد أن يكون فناناً! يريد أن يكون مطرباً! يريد أن يكون مفحطاً يتحدث به، يريد أن يلفت أنظار الغاديات والغادين والرائحات والرائحين حتى يشار إليه، ولو كان يملك في الداخل الكنز الثمين لما احتاج إلى هذه الأمور التافهة التي يعرضها على القوم في ظاهر أمره وظاهر سيرته، وطائفة من الشباب قد أولع بالمجاهرة ولا يبالي بمعصية الله سراً كانت أو جهراً، بل هو من شرار الناس الذين يسترهم الله ثم يصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا وفعلت البارحة كذا، يهمه رأي الآخرين فيه، كل شيء يهون إلا أن ينتقده الآخرون، وكل شيء يسوغ ويستساغ إلا أن يوجه له أحد نصيحة، أما أن يعيش بفكر مستقل وشخصية متزنة قائدة لا مقودة، سيدة لا مسودة، متقدمة لا تبعية فيها؛ فبعيد هذا عن أمره، والعجب أن رأي الآخرين فيه كما قلت يهمه أكثر من أن يرضى الله عنه أو يرضى عنه رسوله، وحكم الآخرين عليه أعظم في نفسه من حكم الله ورسوله عليه، والحق الذي ينبغي أن يكون عليه الشاب المتسلح بكتاب ربه وسنة نبيه ألا يبالي بنباح الكلاب وعواء القطط، وصفير ومكاء وتصدية العابثين واللاهين، بل كما قال المتنبي:

أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم

ما دمت على حق وعلى يقين بأنك على حق، فافعل ما اعتقدته وتيقنته وتعلم أنه يفضي بك بإذن الله إلى مرضاة الله وجنة عرضها السماوات والأرض وإن خالفك المخالفون، وإن انتقدك المنتقدون، ما دام هذا شأنهم فلا يضرك، واجعل لسان حالك كما يقول الأول:

إذا رضيت عني كرام أحبتي فلا زال غضباناً علي لئامها

وواقع بعض شبابنا اليوم احتقار للذات، وضعف وتقوقع وانزواء وخشية من مواجهة الآخرين، بل ترى الواحد يعيش بهذه النفسية ويظن أنه فاشل عاطل باطل لا يستطيع وليس بكفء، وليس بحقيق ولا جدير أن يقدم شيئا، أو أن يفعل شيئا، وربما كان منعكس تربوي عبث في نفسه، وأثر عليه، وجعله يميل إلى الانزواء والتقوقع، أو تظل أسير غلطة من أحد أبويك إلى أن تموت وأنت منعزل متقوقع، لم لا تضرب في جنبات هذه الأرض؟ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:١٥].