للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف نتعامل مع هؤلاء الشباب]

طائفة من الشباب أغواهم الشيطان، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس:٦٢] {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:٢٠] وينبغي ألا نكابر أو ننكر أن عدداً ليس بالقليل وقعوا في ما ذكرت، ولكن

السؤال

هل ننصب بيننا وبينهم سوراً حديدياً وندعو ذا القرنين ليبني بيننا وبينهم سدا لا يستطيع له أحد نقبا؟ لا، وإنما هؤلاء الشباب نحن بإذن الله قادرون على أن نصل إليهم، فلئن وصل الباطل إلى النفوس وما كان الباطل أمراً فطرت عليه النفوس أصلاً، فالحق أدعى لأن تقبله النفوس، والنفوس قد فطرت عليه، ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فليس بغريب أن تعود المياه إلى مجاريها، وأن يعود الشباب إلى الصلاح والاستقامة إذا نحن أخذناهم باللين والحكمة والموعظة الحسنة والرفق في معاملتهم واللطف معهم، ونحن يوم أن نكون صرحاء في وصف واقع بعض الشباب فإن هذا لا يعني أننا قساة أو نمارس القسوة في علاجهم، فإن الذي يصف مرضاً فتاكاً مهما وصف الفتك بأبشع العبارات فإن هذا لا يعني أنه عدوٌ للمريض إذا أراد أن يعالجه.

لذا أحبتي في الله! أقول وبكل يقين: إن هذه النفوس كما قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:١٧] اعلموا أن هذه النفوس لو وجدت كلمة الحق إلى ثغرة من ثغرات قلوبهم سبيلا لو أن كلمة الحق طرقت أسماعهم في حالة صفاء، لو أن واحداً استطاع أن يصل إليهم وهم في حال تفرغ ذهن وخلوة من هذه الشهوات لاستطاع أن يصل إليهم، والدليل على ذلك أنك إذا زرت قوماً في عزاء فنصحتهم ووعظت شبابهم، وهم لما يجف قبر أبيهم أو قبر أمهم بعد مصيبة الموت التي حلت في دارهم، تراهم أسرع استجابة من السيل إلى منحدره، والسبب أنهم استمعوا إليك في لحظة ما كان يزاحم حديثك عندهم صورة ولا قينة ولا مسلسل ولا فيلم ولا لهو، فأطيب شيء ينبغي لنا ونحن بصدد دعوة هؤلاء الشباب الذين وصفنا طرفاً من واقعهم أن نأتي إليهم في حال الصفاء، ولا يعني ذلك أن ننتظر متى يموت أحد منهم أو أحد أقاربهم ثم لا نجد وسيلة لدعوتهم إلا في العزاء لا، لكن {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:٤٦]، لا تظنوا أحبتي في الله أن أساليب الدعوة موقوفة على أن نجتمع في المسجد ويقوم أحدنا يتكلم، ربما هذه من أقوى أساليب الدعوة، لكن رجلاً ليس بفصيح، وليس بخطيب مفوه، وليس برجل يشار إليه بالبنان، أو يشخص إليه بالعيان، يأخذ ورقة في ساعة من ليل أو نهار، فيكتب رسالة مدادها الحرقة والإخلاص والمحبة والرأفة والشوق والمودة والنصح لهذا المدعو، ثم يبعث بها ولو لم يكن معها هدية ثم يبعث ثانية وثالثة ورابعة، والله ما أسرع ما تجدون إجابة هؤلاء؛ لأنك لم تنصحه في ملأ ولم تفضحه بين الناس، إنما خاطبته ربما قرأ الرسالة في حين صفاء وسكون وهدوء من نفسه، ثم توافق إجابة فيستجيب لأمر الله وبإذن الله عز وجل.