للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر التقليد على العقل]

يقول ابن الجوزي رحمه الله: دخل الشيطان على هذه الأمة في عقائدها من طريقين: الأول: طريق التقليد للآباء والأسلاف، والثاني: الخوض فيما لا يدرك غوره، ويعجز الخائض عن الوصول إلى عمقه، فأوقع أصحاب هذا القسم في فنون من التخليط، فأما الأول وهو التقليد للآباء فإن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه، والصواب قد يخفى، والتقليد أسلم، وقد ضل في هذا الطريق خلق كثير، هذا مما يوسوس به الشيطان، فإن اليهود والنصارى قلدوا آباءهم وعلماءهم الذين قادوهم على ضلالة فضلوا ضلالاً بعيداً.

ثم يقول ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن المقلِّد غير واثق بالمقلَّد، وفي التقليد إبطال منفعة العقل.

وهذا بيت القصيد في حديثنا، إن كثيراً من المقلدين للكلمات أو للأفكار أو للقضايا من غير إعمال لعقولهم فيها، إذ إن بعض الناس يقبل القول بمجرد أن فلاناً قاله، ولا يعرضه على عقله، ولا يقلبه ولو شيئاً يسيراً.

يقول ابن الجوزي: وفي التقليد إبطال منفعة العقل؛ لأن العقل إنما خلق للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة.

قال ابن تيمية رحمه الله: وأما التقليد الباطل المذموم فهو قبول قول الغير بلا حجة.

ثم ساق بعض الآيات في ذلك فقال: فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع للهوى؛ إما للعادة والنسب، كاتباع الآباء، وإما للرئاسة كاتباع الأكابر والسادة والمتكبرين، وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزله على رسوله فإن الرسل حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه.

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتبصرين، الذين يلزمون الحق إذا عرفوه، ويردونه إلى الذين يستنبطونه إذا أشكل عليهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.