للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة إلى كل مقلد]

فيا عباد الله! اعلموا أن أشد ما يطمس العقل البشري هو التعصب الجامد المظلم الذي يحبس صاحبه في قمقم القديم الذي كان عليه الآباء، أو يحبس صاحبه في واقع درج عليه أكثر الناس، وقد نسي قول الله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] فلا تعتبر بالكثرة ولو تواتروا على فعل المنكر، ولا تعتبر بالكثرة ولو قلدوا آباءهم وأجدادهم، إن أكثر الأولين قد ضل كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} [الصافات:٧١]، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣].

فالحذر الحذر من التعصب الذي يجعل الواحد ينطق بمنطق أعوج! إن تعصب قريش قادها لما عرض عليها الحق أن قالت: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال:٣٢] لم تقل: إن كان حقاً فاهدنا إليه، أو وفقنا، أو ثبتنا عليه، قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:٣٢] انظروا إلى هذا المنطق الأعوج الذي أنتجه الإصرار على فعل الآباء، وأنتجه حجب الفكر والحوار والمناظرة عن أن يقاد إلى أمر فيه خير أولئك، صم بكم عمي فهم لا يعقلون، فلا غرابة في هذا لأنهم حجبوا عقولهم عن الهدى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:٥].

ألا فليحذر المصرون على اتباع الآباء والأجداد، ألا فليحذروا وليخافوا الله أن يطبع على قلوبهم، أو أن يمسخهم، أو أن يأخذ أسماعهم وأبصارهم؛ فإن الذي يجادل في الحق بعدما تبين، ويعاند ويصر على طريقة الآباء والأجداد لممن يقع في المشاقة لله ورسوله، والله يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:١١٥].

معاشر المؤمنين! ثم دعوة وهمسة وكلمة إلى أولئك الذين يجعلون عقولهم لعناوين الصحف، ويجعلون عقولهم للنشرات الإخبارية، ويجعلون عقولهم لتحليل غيرهم في ثنايا الجرائد والمجلات، فإذا جئت تحاور أحدهم وجدته يحاورك بمنطق عمود الجريدة، أو بمنطق موضوع المجلة، أو بمنطق إرشيف الغلاف، أو بمنطق حجة قالها كاتب، ألا فيا عباد الله! إن كل واحد يحشر يوم القيامة وحده، فلن يحشر رئيس تحرير ووراءه قراؤه، ولن يحشر قائدٌ ووراءه أتباعه، ليحاسب الرئيس أو القائد أو الزعيم بالنيابة عن هؤلاء، لا وألف لا، سيحاسب كل بما أوتي، ويؤاخذ بما فعل: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:٩٣ - ٩٥] فرداً فرداً {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:٩٤]، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤].

إن كل واحد منا سيحاسب في فهمه، وطريقته، وقراراته، وأعماله، هو وحده ولن ينفعه أن يقول: تبعت فلاناً أو علاناً، ألا فحكم العقل الصحيح، وإن العقل الصحيح لا يتضارب ولا يتعارض مع الدليل الصريح الصحيح أيضاً.

أسأل الله أن يبصرنا وإياكم بالحق، وأن يرزقنا استثمار عقولنا واستذلال هذه العقول وألا تكون هذه الرءوس جماجم وخزائن للمعلومات يفكر الآخرون بالنيابة فنودعها ما يقولون، يخطط الآخر بالنيابة فتنفذ جوارحنا ما يريدون، وإنما نسأل الله أن تكون أفكارنا وسكناتنا وخطراتنا وخطواتنا منبثقة من تفكير مهتدٍ بهدي صريح وشرعٍ جميل لكي نلقى الله بنية (وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم إنا نعوذ بك أن نرى في مجتمعنا فتنة، أو أن نرى بعلمائنا مكيدة، أو أن نرى بولاة أمرنا مصيبة، أو أن نرى بشبابنا وبناتنا تبرجاً وضلالاً وسفوراً، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم انصر المسلمين في أرومو التي لا يعرف كثير من المسلمين عن حالها، وحال خمسة وثلاثين مليون مسلم فيها شيئاً، اللهم انصرهم على من عاداهم من النصارى والوثنيين يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في كشمير، وفي الفليبين، واجمع شملهم في أفغانستان، وأصلح شأنهم وانصرهم في طاجكستان، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، ورد المسجد الأقصى إلى أيدي الموحدين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة، اللهم عليك باليهود والصرب.

ربنا مزقهم واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً يا رب العالمين.

اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا ساتر لمن فضحت فلا تفضحنا، ولا فاضح لمن سترت فاسترنا، اللهم ثبتنا وأعطنا، وأكرمنا ولا تحرمنا بمنك وكرمك يا رب العالمين.

الله اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم اهد بناتنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجمع شملنا يا رب العالمين، لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأصحابه وآله.