للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إمكانية ترك المعاصي وطريق ذلك]

السؤال

سائل يقول: أنا شابٌ أحب الصلاح والالتزام، ولكني لا أستطيع ترك المعاصي ولا أقدر على الالتزام بالطاعات كلها، فما الطريق لذلك؟

الجواب

أما دعوى عدم الاستطاعة على ترك المعاصي، فلا أظنها دعوى صادقة، ولو قال السائل مع حبه للالتزام: أنه يستسلم للمعاصي، لكان صادقاً، أما قضية أن الإنسان لا يستطيع، والله لو أن أحداً أتاك ليأخذ من جيبك ريالاً لدافعته مدافعة الأبطال الأشاوس، فلن تكون عاجزاً عن مدافعة شيطانك وهواك كما تقدر على دفع عدوٍ حسيٍ ولو كان قوياً جداً، فقضية عدم الاستطاعة في ترك المعاصي ليست بصحيحه، ولكن أنا أقول لك: كيف تستطيع أن تترك هذا؟ اترك الأسباب التي توصلك أو تذكرك أو تشغلك بذلك، فمثلاً: بعض الناس تجده يسافر مع رفقاء السوء، ثم يذهبون إلى مكان دعارة أو فساد، ثم يقول: أنا ما استطعت أن أمسك نفسي عن الزنا، لو أردت أن تمسك نفسك عن الزنا ما صاحبت جلساء السوء، ولو أردت أن تمسك نفسك عن الزنا ما ذهبت معهم إلى هذا المكان، تجد رجلاً يسبح في البنزين، ثم يقول: عجباً كيف أكون قابل للاشتعال، أنت تجمع على نفسك كل العناصر التي تنتهي إلى المعصية، ثم تقول: لا أستطيع أن أمسك نفسي عن المعاصي! لا.

أنت تستطيع أن تصبر نفسك عن المعصية بمجاهدة النفس وإبعادها عن مكان المعصية، وجليس المعصية، وزمان المعصية، وظرف المعصية، وكل ما يتعلق بالمعصية، وحينئذٍ تكون قادراً بإذن الله عز وجل، نعم يجتمع في العبد أن يكون عاصياً وفي نفس الوقت أن يكون محباً للأخيار، قد يقول قائل: كيف هذا يحب الصالحين ولا يمسك نفسه عن المعاصي؟! بل يجتمع في الإنسان خيرٌ وشر، ويجتمع فيه إخلاصٌ ونفاق، ويجتمع فيه حقٌ وباطل، ويجتمع فيه خطأ وصواب، والذين ينظرون إلى الناس أو الدول أو المجتمعات أو الأفراد إما خير لا شر فيه، وإما شر لا خير فيه، فهم يجحفون أو ينافقون، ولكن العدل أن ترى في كل نفسٍ، وفي كل مجتمع، وفي كل دولة، وفي كل كبيرٍ وصغير، فيهم خير وفيهم شر ويتفاوتون بين القلة والكثرة في الخير والشر.

فهذا الأخ الحبيب نقول له: جزاك الله خيراً، ونسأل الله أن يجعلك مع الصالحين بما أحببتهم، والمرء مع من أحب، كما جاء الرجل وسأل النبي، وقال: يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب يوم القيامة) والآخر الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت كثير عملٍ، ولكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت يوم القيامة) {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات:٢٢] المرء مع من أحب يوم القيامة، فمن أحب الصالحين يكون معهم بإذن الله، ولكن لا ينال درجاتهم، وربما يحال بينه وبينهم إذا هو اقترف من الفواحش والآثام والكبائر والمنكرات ما يمنعه من البلوغ واللحاق بهم أو بمنازلهم ودرجاتهم.

فيا أخي الحبيب! ما دمت محباً للخير وأهله، فجاهد نفسك، واعلم أنها لذة منقضية ويبقى إثمها، ولو صابرت النفس على الطاعة، لوجدت أنه تعبٌ قليل ويبقى أجره وثوابه بإذن الله عز وجل.

ثم اعلموا أيها الأحباب! أن كثيرً من الشهوات الموجودة يستطيع الإنسان أن يدفعها بالحلال، وأغلب شهوات الشباب اليوم هي شهوات في الغرائز والجنس، وتلك لا أسهل من دفعها بالزواج، ولكن الشباب، أو بعض الشباب أو بعض الناس هم الذين يصنعون القيود والأغلال والسلاسل على أنفسهم، فيشترط الواحد مئات الشروط في الزوجة التي يريد أن يتزوجها، وربما الفتاة تشترط مئات الشروط في الشاب التي تريد أن تتزوجه، وحتى يجد الفتى فتاته، وحتى تجد الفتاة فتاها، بين تلك الفترة إلى الزواج ربما البعض قد أشغل نفسه بمعصية أو زل زلة في معصية ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولو أنه بادر بسد النفس وحاجتها بالحلال، حتى وإن كان ما سد به النفس أقل مما كان يرجوه ويتمناه من أجل أن يعف نفسه عن الحرام، لكان معاناً من الله، وكما في الحديث: (وثلاثة حقٌ على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء) فالناكح الذي يريد العفاف أظنه لا يتردد أن يتزوج فتاةً ولو مطلقة أو كبيرة في السن، ولو فتاة عندها مشكلة من المشكلات، المهم أن يحصن نفسه، وسيجعل الله له بها قبولاً وعفة وإحصاناً، وإذا منَّ الله عليه بغنىً وسعة ثم رغب في أن يستزيد، فله أن يستزيد إذا كان قادراً على الباءة بشروطها، والعدل بحقوقه وواجباته، أما أن الإنسان يقول: لا أريد إلا كذا من الأوصاف، وحتى الآن لم أجد هذه الأوصاف إذاً لا بد أن أتمتع بالسفر والعبث والزنا والصور والأفلام وغير ذلك، نقول: لا يا أخي الحبيب! املأ نفسك بالحلال الذي شرعه الله وستجد ما يغنيك به الله عن الحرام.