للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة تحصيل الولد وأهمية الحفاظ عليه]

إنها رحلة طويلة يوم أن يسعى الواحد منا ليحصِّل نشئاً وذرية وولداً، وكلكم مر أو سيمر بهذه المرحلة.

مَن الذي تزوج ولم يمر بهذه الرحلة الطويلة؟ أولاً: الهم والفكر والسهر الليالي الطوال في اتخاذ القرار.

- ثم بعد ذلك: جمع المال، وما كلٌّ تيسر له المال حتى يتزوج به، فهذا يشتري صالون ويستدين سيارتين، ويستدين ثلاث (مونيكات) ويستدين من الناس، ويقترض من الناس، ويبقى زمناً يجمع المال، ويدخر من المرتب، ويحرم نفسه من بعض الأشياء، حتى يجمع المهر.

- ثم بعد ذلك: رحلة في البحث عن المرأة، وبيتٌ يقبل، وبيتٌ يرفض، وبيتٌ بشروط، وبيتٌ لا يوافق، وبيت كذا، إلى أن يصل بيتاً يعطونه ويكرمونه ويوافقون على تزويجه.

- ثم بعد ذلك: وليمة ومناسبة، وكرامة وعرس وحفلة.

- ثم بعد ذلك: بناءٌ بالمرأة ودخولٌ بها.

- ثم إنفاق عليها، وخوفٌ عليها، وإشفاق عليها.

- ثم تبدأ عليها علامات الحمل، ويبدأ الإنسان يحمل في فكره بقدر ما تحمل المرأة في جوفها، إن كانت تحمل جنيناً ينمو، فهو يحمل في فكره هماً ينمو، والله {هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨] ولكن لا شك أن مَن تزوج فقد ركب البحر، ومن وُلِد له فقد كُسِر به، ليست المسألة سهلة، هم الذي لا زوجة له ليس كهم المتزوج، وهم المتزوج الذي عنده أولاد ليس كهم المتزوج الذي لا ولد له، ومن تزوج ورزق الولد عرف ذلك، ماذا بعد هذا؟ - إنفاق على المرأة، وعلاج، وفتح ملفات ومراجعات دورية، إلى أن يبلغ الجنين تمامه ويصل الأمر إلى غايته.

- ثم يولد هذا المولود، والفرحة والبشائر والعقيقة.

- ثم التربية والحليب، واللباس والدواء، والطعام والإنفاق، ويستمر الإنسان يصرف ويسهر الليالي الطوال على هذا الطفل؛ ما الذي أصابه؟! لم يأخذ رضعته، لم يشرب حليبه، ما أكل أكله، فيه بردٌ، فيه زكامٌ، فيه صداعٌ، فيه بلاءٌ ثم لا تزال أنت تعاني في تربية هذا الولد، والرحلة قد بدأت من قرار الزواج، ولا تزال في الرحلة، رحلة النشء هذه.

- ثم يكبر الولد، ينمو رويداً.

- ثم تدخله المدرسة وتعتني به.

- ثم يأتي كثيرٌ من الناس إلى قرارٍ سفيه، قرارٍ حقير، قرارٍ تافه، قرارٍ ضار، قرارٍ مهلك، قرارٍ مدمر، يقول: خذوا هذا الولد وافعلوا به ما تشاءون، طبعاً هو لا يقولها بلسان المقال، بل يقولها بلسان الحال، وما الحال التي يقال بها هذا الكلام؟ إنها حال الذي يقول: خذوا الولد يا أبناء الحارة وتحدثوا معه بما تشاءون وكيفما تشاءون، واسهروا معه إلى أي وقت تشاءون، وخذي الولد أيتها الشاشة وحدثيه بما شئتِ من الأفكار والأفلام والمسلسلات التي تعرض عبر القنوات، وخذوا الولد يا جلساء السوء، وقولوا وافعلوا وتصرفوا وتكلموا واذهبوا وروحوا واغدوا به كيفما تشاءون.

هذا حال كثيرٌ من الناس! أبعد هذه الرحلة الطويلة، تَدَيَّن المال، والزواج، والنفقة، والحمل، والولادة، والدواء، والغذاء، والكساء، ثم لما بلغ السن والغاية التي إليها مدى ما كان فيها يؤمل، لما بلغ هذه الغاية الجميلة التي يفرح الإنسان في بداية بلوغها أن يوجه الولد، أن يكون هذا الولد الذي أصبح خامة بيضاء، عجينة طرية، صفحة نقية، تقبل الكتابة بأي خط وتحفظ الفكرة بأي وجهة، وتقبل التوجيه على أي صورة؛ لما بلغت هذه المرحلة الذهبية من التقبل والاستجابة رمى بها عرض الحائط، وقال للمجتمع، وقال للقناة الفضائية، وقال للخادمة، وقال لجلساء السوء بلسان الحال لا بلسان المقال: افعلوا به ما تشاءون.