للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التربية الروحية ومكانتها]

أيها الأحبة: لنحاسب أنفسنا على قضية النشء والتربية، إن من العار، والعيب أن نهتم ببيوتنا في الألومنيوم الموجود في النوافذ، والمجنو وكسرة المجنو والسنديان الموجودة في الأبواب، والموكيت والفرش والأثاث، أكثر من اهتمامنا بأولادنا، كثيرٌ من الناس لا يعدو غاية اهتمامه بولده أو بنته مسألة الطعام والشراب واللباس، أظن الذي عنده بهيمة لو اشتد البرد يُدْخِلها من الحوش إلى داخل البيت، وأظن أنه يعطيها ويسقيها ويعلفها صباح مساء فليس هذا بكثيرٍ على الولد بل هو من الواجبات الشرعية التي يحاسب عليها العبد عند الله عز وجل إذا فرط فيها وضيعها، ويؤجر عليها إذا بذلها محتسباً لله، لكن القضية هي قضية التربية، أسألك بالله إذاً ما هي الفائدة من الولد؟ ما هي الفائدة من أن يكون لنا عشرة أولاد أو ولدان أو ثلاثة أو أربعة، إذا لم يكن ولداً يرفع الرأس، إذا لم يكن ولداً ينفع الأمة، إذا لم يكن ولداً بركة على نفسه وأمه وأبيه وأخواته وأسرته ومجتمعه فما الفائدة منه؟ {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥].

وبعض الناس نسأل الله أن يحفظه ويهديه يقول: الزمان تغير، الوقت اختلف، لا، نحن الذين اختلفنا وضيعنا أسباباً كان آباؤنا وأجدادنا قد أمسكوا بزمامها، وثبتوا وأحكموا خطامها، وقادوها بحزمٍ وجدٍ حتى بلغوا نتائج طيبة في أنفسهم وذرياتهم، أما نحن فقد غلبنا السهر، والتواكل، والاشتغال بالأصدقاء والشلات والاستراحات، والسهر من بعض الناس عند الدشوش والقنوات، وعند وعند، والمرأة المسكينة مسئولة بهؤلاء الأطفال، والأطفال متمردون على هذه الأم الضعيفة، ثم بعد ذلك إذا بلغ الولد -كما قلت- غايةً عظيمة من السن قال: هذا ولد ما نفعني؛ لأنك أنت الذي ضيعته، لا تعب الزمان، ولا تعب الدهر ولا الشهر، ولا الليالي والأيام، العيب فينا نحن:

نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا

وقد نهجو الزمان بغيرِ جرمٍ ولو نطق الزمان بنا هجانا

أقول: إن كثيراً منا ربما اهتم بالسيارة، تلمَّع يومياً وتمسَّح ويدفع للعامل مائة ريال مقابل تنظيف السيارة، والخادمة في المنزل تلمِّع الألومونيوم والأبواب والأثاث وراتبها ستمائة ريال، وبعض البيوت فيها المُزارع ويدفع له ثمانمائة ريال، من أجل نباتٍ في الأرض ربما غفل عنه، فعاد هشيماً تذروه الرياح، لكنه لا يدفع شيئاً من أجل التربية، يا رجل! ألف ريال ادفعها من أجل العناية بهذا الولد في الدروس التي تنفعه لمراجعة ما تناوله صباحاً في المدرسة، لمذاكرة دروسه، لاجتهاده، لتفوقه، يقول: لا، تكفي المدرسة، أنا لا يمكن أن أصرف أكثر من هذا، سبحان الله العلي العظيم! الباب والنافذة والأثاث والمزرعة والحديقة في المنزل ومسح السيارة، المجموع ربما يُنْفَق عليه ألفي ريال، لكن الولد لا تُنفق عليه؟! هذه مشكلة عظيمة!