للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإشفاق على المرء من النار أولى من الإشفاق عليه من المرض ونحوه]

يقول لي أحد الإخوة الأفاضل بالأمس القريب بعد صلاة العشاء كنا في شركة من الشركات، وكان عندنا عامل من العمال، فحصل أن هذا العامل انسكب على يده زيت ساخن، فأصاب يده شيء من آثار الحروق والآلام، وزيت يغلي.

ما ظنك، زيت يغلي انسكب على يد عامل، مؤكد أنه سينسلخ شيءٌ من اللحم.

يقول: كلنا جميعاً انزعجنا وأخذناه وذهبنا به إلى المستشفى وإلى الإسعاف، ووقفنا معه؛ لأنه من لا يَرحم لا يُرحم، حتى وإن كان هذا العامل كافراً! يقول: كان عاملاً كافراً؛ لكن في كل كبدٍ رطبة أجر، والراحمون يرحمهم الرحمن، ومن لا يرحم لا يُرحم، والبغي من بني إسرائيل دخلت الجنة بسبب كلب سقته بعد أن رأته يلعق الثرى من العطش، قال: فلما عالجناه، ووضعوا له الشاش التفت بعضنا إلى بعض، قال: سبحان الله! يوم انسكب على يده قطرة زيت كلنا قمنا نفزع له، والآن نراه كافراً، ومآله إلى جهنم، ولا أحد فزع له يدعوه إلى الإسلام والتوحيد، ما أحد فزع يدعوه إلى الإيمان حتى يتجنب نار جهنم، من قطرة زيتٍ أشفقنا عليه، وخفنا عليه، ورحمناه، وبادرنا بالذهاب به إلى المستشفى حتى لا تتضاعف إصابته، ونحن نعلم أنه إن مات على الكفر فلا شك أن مآله جهنم وساءت مصيراً، فلماذا لا نشفق عليه بدعوته إلى الإسلام؟! قال: فبدأنا ندعوه.

وأقرِّب هذا المثال لك: لو أن قطرة من زيت انسكبت على يد أو قدم ولدك، لو أن شيئاً من الحريق أصاب طرفاً من أطراف بدن ولدك، ما الذي يقع؟ ستنزعج وتسهر وتخشى، ولن تدع طباً ولا سبيلاً ولا طريقاً لعلاج هذا الولد إلا وتبذله! وأنت تعلم يا أخي أن الله عز وجل يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:٦].