للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كل راع مسئول عن رعيته]

نعم.

لا بد أن يتعلم الإنسان كيف يعتني ويلتفت، ثم لنتذكر جميعاً المسئولية العظيمة الخطيرة التي قالها صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر وقد خرَّجه الشيخان قال: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسئولٌ عنه، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) لا أحد يُترك عبثاً، أنت مدير على أربعة موظفين راعٍ وسيسألك الله عن هذه الرعية، أنت مسئول عن منطقة راعٍ، والله يحاسبك عليها، أنت توليت وزارة راعٍ، والله يحاسبك عليها، أنت توليت زوجة وأولاد راعٍ، والله يحاسبك عليها، (ألا وكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).

ومن واجبنا أيها الأحبة أن نعتني بالرعية، وأن نلتفت إلى النصح والإرشاد فيها بلطيف القول، ورقيق العبارة وطيب الكلام، ومن تأمل سورة لقمان وما فيها من الوصايا التي أوصى بها لقمان ولده ووعظه بها وجد الأنموذج الأمثل والصورة الرائعة في نصيحة الأب لولده واحتسابه في التوجيه والإرشاد والتنبيه، اسمعوا إلى قول الله عز وجل! {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [لقمان:١٣] خذوا هذه الآية، وليقرر كل واحد منا أن يخلو بولده، إذا كان عندك مجموعة أولاد لابد من جلسة انفرادية لكل ولد على حدة، غير الجلسة الجماعية مع الأولاد في التوجيه والإرشاد، لأن كل ولد له صفات تختلف عن الآخر، ومن ثم له مشكلات تختلف عن الآخر، فلا بد من جلسات فيها وعظ وإرشاد وتوجيه وتنبيه.

{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦] وهذا من الخطاب الذي يُعَلَّم فيه الولد الخشية والخوف والمراقبة من الله سبحانه وتعالى، وهذه مهمة، لا تظن أن الصغير لا يفقه ولا يفهم ولا ينتفع بهذا، إن كثيراً من الكبار عصمهم الله عن منزلقاتٍ خطرة وكبائر مدمرة ومصائب شنيعة، بسبب أن الأميِّين والأميَّات من الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، ربَّوا في نفوسهم أثناء الصغر كلمة الخوف والخشية، لاحظ أن الله يعاقب، ولاحظ الذي عليك، خوف الله، والله مطلع عليك، والملائكة تكتب أعمالك، وهو صغير يعظِّم في نفسه الخوف، حتى إذا قيل له في كبره وفي مسئوليته وفي توليه أمر أسرته وأمر بيته وأمر مَن حوله: اتقِ الله، يضطرب ويخشى ويخاف من الله سبحانه وتعالى، ولقمان يقول لولده: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦] المعنى: لا تظن أن شيئاً يخفى على الله، لا تقل: هذه صغيرة، لا تقل: هذه لا يُلتَفَت إليها: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

من ربى في أولاده الصغار الخوف والخشية من الله، تراهم يتركون الكذب لأنهم تعلموا أن الله يغضب على الذي يكذب، ولا يسرقون لأنهم تعلموا من أسرتهم أن الله يغضب على السارق، ولا يقولون النميمة ولا يبدءون بفاحش القول أو سيئ الكلام؛ لأنهم يعلمون أن الله يبغض الفاحش البذيء، فما أجمل تربية النشء على ذلك!