للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاوزة المؤمنين الصراط ودخولهم الجنة زمراً وجماعات

تخيل أخي! في الدنيا أنك مع زمرة من الكرام والأكابر ذوي الحسب والنسب والمال والجاه والثروة تقدمون إلى قصرٍ من القصور، فإذا دنوتم فتحت أبواب القصور لكم، وخرج المهنئون، وضربت لكم التحايا، واصطفت الناس بين أيديكم، ألا تجدون عظمة في النفوس؟! ألا تجدون شيئاً يملأ القلوب؟! فما بالك إذا فتحت أبوابٌ ليست أبواب قصور الدنيا التي تفنى وتهرم وتبيد:

ونبني القصور المشمخرات في السما وفي علمنا أنا نموت وتخربُ

أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أي قصرٍ! تفتح قصور الجنة، أبواب الجنة يوم أن تفتح والملائكة هم الذين يستقبلون ويهنئون ويقولون: سلامٌ عليكم طبتم حياكم الله! طبتم بياكم الله! طبتم أكرمكم الله! نجاكم الله! هداكم الله! وفقكم الله! التحايا من الملائكة في البشارة والتهنئة لهذه الأقدام التي جازت على الصراط، والصراط الذي نصب على جسر جهنم، والكلاليب تخطف الناس عن يمينه وشماله، أليس حرياً أن يهنأ عابرٌ بعد أن جاوز هذا الصراط؟! بلى والله، هذا المشهد العظيم، يقول فيه ربنا جل وعلا: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣] طابت أعمالكم، طابت أقوالكم، طابت عقيدتكم، أصبحت نفوسكم زكية، وقلوبكم طاهرة، فبرحمة الله ثم بهذا استحققتم أن تكونوا من أهل الجنة.

ثم يأتي أقوامٌ من المؤمنين يدنون قبيل دخولهم من الجنة، لكن تهذب نفوسهم، وتنقى أبدانهم، روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعضٍ مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمدٍ بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا) أي كرامة! أي عزة! أي نعيم يوم أن تُصَفَّى يوم أن تُنَقَّى يوم أن تُطَهَّر ثم تدخل الجنة! أنت تعرف مكانك في الجنة كما تعرف بيتك لا تتعداه إلى بيت جارك ولا تقصر عنه إلى بيت جارٍ آخر، بل أنت أهدى لمنزلك في الجنة من هدايتك لمنزلك في الدنيا.