للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف غرف الجنة وقصورها]

لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وخرجوا يستقبلونه، يقول عبد الله بن سلام: فكنت فيمن انجفل فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم علمت أنه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما قال: (أيها الناس! أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا جنة ربكم بسلام) وقد أخبرنا جل وعلا أن هذه القصور وهذه الغرف وهذه الخيام فيها أمرٌ عجيب قال تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] وهذه الخيام -أيها الأحبة- خيمة عجيبة من اللؤلؤ بل كل هذه الخيمة لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، وفي بعض الروايات أن عرضها ستون ميلا، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الخيمة درة مجوفة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهلٌ لا يراهم الآخرون) أتريدون بيوتاً في الجنة؟ أتحبون أن تعمروا دوراً في الجنة؟ أتحبون أن تشيِّدوا قصوراً في الجنة؟ (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له به بيتاً في الجنة) بناؤك لمسجد ولو بقدر ما تقع فيه قطاة أو حمامة أو طير تجعله وقفاً لله يصلي فيه المسلمون سواءً في هذه البلاد أو في أي بلاد، تحرص أن يكون هذا المسجد يعبد الله فيه وحده ولا يشرك به شيئاً، أبشر بأن هذا من أسباب بناء الدور لك في الجنة.

في مسند أحمد عن ابن عباس بإسنادٍ صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة عن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة) يعني: الفقير الذي ما عنده ريالات أو دنانير أو دولارات أو دراهم يبني بها مسجداً يداوم على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة تطوعاً مع محافظته على الفرائض والواجبات فإنه بذلك يبنى له بيتٌ في الجنة.

قال ابن القيم:

للعبد فيها خيمة من لؤلؤٍ قد جوفت هي صنعة الرحمن

ستون ميلاً طولها في الجو في كل الزوايا أجمل النسوانِ

يغشى الجميع فلا يشاهد بعضهم بعضاً وهذا لاتساع مكانِ

فيها مقاصيرٌ بها الأبواب من ذهبٍ ودرٍ زين بالمرجان

وخيامها منصوبة برياضها وشواطئ الأنهار بالجريانِ

ما في الخيام سوى التي لو قابلت للنيرين لقلت منكسفانِ

يعني: ما في الخيمة إلا حورية لو قابلت الشمس والقمر لسطع نورها أمام الشمس والقمر وقلت: إن الشمس والقمر منكسفان منخسفان:

لله هاتيك الخيام فكم بها للقلب من عُلقٍ ومن أشجانِ

فيهن حورٌ قاصرات الطرف خيراتٌ حسانٌ هن خير حسانِ

خيرات أخلاقٍ حسانٌ أوجهاً فالحسن والإحسان متفقانِ