للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف الحور العين في الجنة]

وأما الحور العين في الجنة وما أدراك ما الحور العين في الجنة! فإن الله يزوج عباده بهؤلاء الجميلات الكواعب الأتراب، قال تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان:٥٤] والحور جمع حوراء وهي: التي يكون بياض عينها شديد، وسواد عينها شديد أيضاً، والعين جمع عيناء وهي: واسعة العين، وقد وصف القرآن الحور العين بأنهن كواعب أتراباً قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:٣١ - ٣٣] والكاعب: المرأة الجميلة الصغيرة، والأتراب: المتقاربات بالسن، والحور العين من خلق الله في الجنة أنشأهن الله إنشاءً، فجعل هؤلاء الحور أبكاراً عرباً أتراباً يتحببن إلى أزواجهن: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:٣٥ - ٣٧] لم يطمثن من قبل قال تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦] أما بياض هؤلاء الحور قال تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٢ - ٢٣] وشبههن في موضعٍ آخر بالياقوت والمرجان قال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٥٦ - ٥٨] وانظر إلى هذا الجمال الذي ذكره الله جل وعلا يخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم هل تجد له في جمال الدنيا نظيراً أو شبيهاً أو مثيلاً؟ لا والله، قال صلى الله عليه وسلم: (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها) رواه البخاري، يصوغ هذه المعاني ابن القيم في نونيته: الكافية الشافية فيقول:

فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا الفرقان

حورٌ حسانٌ قد كملن خلائقاً ومحاسناً من أجمل النسوانِ

هذه لكل من آذته زوجه، لكل من أشغلته زوجه، لكل من أراد جمالاً، لكل من أراد لذة، لكل ولكل ولكل من أراد مهما جمعت من الجمال فإنها فترة ثم تزول، ولذة ثم تنقضي، وبرهة ثم تفنى، ولكن اجعل أملك في رضا الله ثم في هذا النعيم المقيم، اجعل أملك فيما عند الله من الحور:

حورٌ حسانٌ قد كملن خلائقاً ومحاسناً من أجمل النسوانِ

حتى يحار الطرف في الحسن الذي قد ألبست فالطرف كالحيرانِ

ويقول: أي العبد الذي في الجنة:

ويقول لما شاهد حسنها سبحان معطي الحسن والإحسانِ

والطرف يشرب من كئوس جمالها فتراه مثل الشارب النشوانِ

كملت خلائقها وأكمل حسنها كالبدر بعد الست ليل الست بعد ثمانِ

والشمس تجري في محاسن وجهها والليل تحت ذوائب الأغصانِ

فتراه يعجب وهو موضع ذاك من ليلٍ وشمسٍ كيف يجتمعانِ

فيقول سبحان الذي ذا صنعه سبحان متقن صنعة الإنسانِ

لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند مجيئه حتى الصباح الثاني

والشمس لا تأتي بطرد الليل بل يتصاحبان كلاهما أخوان

وكلاهما أي: أنت وحوريتك في الجنة:

وكلاهما مرآة صاحبه إذا ما شاء يبصر وجهه يرياني

فيرى محاسن وجهه في وجهها وترى محاسنها به بعيانِ

حمر الخدود ثغورهن لآلئ سود العيون فواتر الأجفانِ

والبرق يبدوا حين يبسم ثغرها فيضيء سقف القصر بالجدرانِ

ولقد روينا أن برقاً ساطعاً يبدو فيسأل عنه من بجنان

فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضاحكٍ في الجنة العليا كما تريانِ

يسطع في الجنة نور فيعجب أهل الجنة ويقولون: ما هذا الذي سطع؟ فيقال: أهل المنازل العليا في الجنة، أحدٌ عنده حورية ابتسمت له فسطع نور ثغرها، الله أكبر! هذا ينبغي أن نعتقده عين اليقين، وحق اليقين، وعلم اليقين، ومن شك فيه أو تردد فيه ففي عقيدته خلل، في إيمانه شائبة، في إيمانه نقص، من الناس من تجده يتذبذب ويتردد حينما يأتي الكلام عن الأمور الغيبية، لا: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:١ - ٣]، كلما صح من الغيب فيجب وجوباً لا تعذر بتركه أن تؤمن به إيماناً كاملاً حقاً:

ولقد روينا أن برقاً ساطعاً يبدو فيسأل عنه من بجنان

فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضاحكٍ في الجنة العليا كما تريانِ

لله لاثم ذلك الثغر الذي في لثمه إدراك كل أماني

ريانة الأعطاف من ماء الشباب فغصنها في الماء ذو جريانِ

لما جرى ماء النعيم بغصنها حمل الثمار كثيرة الألوانِ

أيها الأحبة! لا أستطيع أن أقرأ بقية ما وصفه ابن القيم في الحور العين، والله لقد وصف وصفاً عجيباً، ووصف وأنصحكم بشراء الكتاب ويباع بالمكتبات نونية ابن القيم المسماة: بـ الكافية الشافية، كلام عن الحور العين من أول رأسها إلى أخمص قدمها ولكن ابن القيم يستحي رحمه الله رحمة واسعة إذ أنه لما بلغ بعض مواطن الجمال في النساء قال:

وإذا انحدرت رأيت أمراً هائلاً ما للصفات عليه من سلطانِ

ما تكلم رحمه الله ابن القيم! ولولا أننا في مسجد والمسجد مكتظٌ بالشباب لقرأت وأسمعتكم بقية هذه الأوصاف الجميلة، ولكن -أيها الأحبة- ماذا أقول وماذا أقرأ وكلنا وإياكم ننظر شيئاً ولا نستطيع قراءته ولكن أختم بأبياته التي قال فيها:

فاجمع قواك لما هناك وغمض العينين واصبر ساعة لزمانِ

يعني: هذا النعيم الذي ذكرناه، أتريده؟ اجمع! شمر! اجتهد! اعمل! اصبر على طاعة الله، واصبر عن معصية الله، واصبر على أقدار الله:

فاجمع قواك لما هناك وغمض العينين واصبر ساعة لزمانِ

ما ها هنا والله ما يسوى قلامة ظفر واحدة ترى بجنانِ

ما ها هنا إلا النقار وسيئ الأخلاق مع عيب ومع نقصانِ

همٌ وغمٌ دائمٌ لا ينتهي حتى الطلاق أو الفراق الثاني

طبعاً هذا ليس لكل النساء؛ بل لبعضهن أصلحهن وهداهن الله!

والله قد جعل النساء عوانياً شرعاً فأضحى البعث وهو العاني

لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن تفعل رجعت بذلة وهوانِ

أيها الأحبة في الله!

يا غافلاً عما خلقت له انتبه جَدَّ الرحيلُ فلست باليقظانِ

سار الرفاق وخلفوك مع الألى قنعوا بذا الحظ الخسيس الفاني

ورأيت أكثر من ترى متخلفاً فتبعتهم ورضيت بالحرمانِ

لكن أتيت بخطتي عجزٍ وجهلٍ بعد ذا وصحبت كل أماني

مَنَّتك نفسك باللحاق مع القعود عن المسير وراحة الأبدانِ

ولسوف تعلم حين ينكشف الغطا ماذا صنعت وكنت ذا إمكان

ستعلم يوم ينكشف الغطاء الحقيقي في الآخرة، ماذا فرطت وماذا تساهلت؟ وماذا جنيت وماذا خسرت؟