للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إحلال رضوان الله على أهل الجنة]

وأعظم النعيم: النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم يقول ابن الأثير: رؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة، بلغنا الله وإياكم منها ذلك، روى مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن صهيب الرومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى: عبادي تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا! ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنة؟! ألم تنجنا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى، ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]).

أيها الأحبة! نعيم الجنة باعه شبابٌ بالمعاكسات، نعيم الجنة باعه شبابٌ بالمباريات! نعيم الجنة باعه الطماعون بالربا! والأسهم الربوية! نعيم الجنة باعه الجشعون بالأموال الحرام! نعيم الجنة باعه الكذابون بالغيبة والنميمة والوشاية والنقل السيئ، نعيم الجنة باعه الذين لا شغل لهم إلا أعراض الخلق والوشاية بالخلق! نعيم الجنة قد باعه مجانين! باعه مساكين! باعه حمقى! باعه غافلون! وما علموا أنهم يبيعون نعيماً عظيماً بلذة عاجلة حقيرة! أرأيتم شاباً يضيع الجنة في لذة لحظة؟! جاء إلي في هذا الأسبوع شابٌ يقول: إني أريد أن أتوب إلى الله فقلت: ومم تتوب؟ قال يتسلط علي شيطاني ونفسي وهواي وجلساء السوء فلا يزالون بي حتى نسافر فنزني -والعياذ بالله- ولا زال هذا الأمر أتردد فيه إلى الساعة فهل لي من توبة؟ وهل إلى خروجٍ من سبيل؟ فقلت: أيها الشاب! إن نعم الله عليك عظيمة والله لو كنت مشلولاً لما وجدت آلة تزني بها! لو كنت مقعداً لما وجدت قوة وصحة تزني بها! لو أخذ سمعك أو بصرك أو طرفك أو كلاك أو عرقٌ من عروقك أو شريانٌ من شرايينك أو شيء من بدنك لتمنيت ثلث العافية! ربع العافية! خمس العافية! عشر العافية! لا أن تزني في هذا الصحة التي أنت تتقلب فيها، ثم إن نعمة الله عليك عظيمة فإن الله قادرٌ أن يرسل إليك ملك الموت فيقبض روحك وأنت على تلك الباغية الزانية، كما حصل لبعض الشباب الذين حملوا جنائز من أحضان الباغيات، حملوا وجيء بهم في التوابيت إلى صالات المطارات، من ذا الذي يبيع هذا النعيم يا إخوان؟! من ذا الذي يضيع حظه من الجنة؟! قال صلى الله عليه وسلم: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع) أنت تجلس في شاطئ محيط من المحيطات ثم تدخل أصبعك فيه فانظر ماذا يعلق! لا يعلق في الأصبع إلا القطرة التي نزلت، قطرة واحدة، معناه: أن هذه الدنيا، والآخرة هي البحر، فمن ذا يبيع الآخرة بقطرة؟! من ذا يبيع النعيم بلذة لحظة؟! ثم لذة زالت وبقي وثبت وما يزال وزرها مكتوبٌ محسوبٌ وشؤمها ينتظرك في نفسك أو في مالك أو عند فراق روحك واللذة ذهبت:

إن أهنى عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل

فاتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل

ليس من يقطع طرقاً بطلا إنما من يتق الله البطل

اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل

ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل

أما كفى ما مضى من العمر؟! أما كفى ما مضى من الغفلة؟! أما كفى ما مضى من الليالي الشخير والنخير من النوم ما قمنا نتهجد فيه لله لحظة؟ أما كفى من تلك الأيام بساعاتها وما فيها ضاعت ما أودعناها أعمالاً صالحة؟! والله إننا مغبونون غبناً عظيماً، فأسأل الله جل وعلا أن يوقظ قلوبنا من رقدة الغافلين، اللهم خذ بأيدينا إلى طاعتك، اللهم خذ بأيدينا إلى مرضاتك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وبغض إلى نفوسنا معصيتك.

إلهنا ربنا ومولانا وخالقنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ألا تدع لهذه الوجوه الطيبة في هذا المقام رجالاً ونساءً ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاحٌ إلا قضيتها.

اللهم لا تدع شاباً أيماً أو أنثى إلا زوجته، اللهم لا تدع أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا رزقته ذرية صالحة، بمنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم ثبتنا واسترنا، واهدنا وكن لنا وأعنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا تكشف سترك عنا، اللهم لا تهتك أستارنا، اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي الجزائر وفي تونس، وفي أثيوبيا، وفي إريتريا، وفي أرومو وفي فلسطين، وفي الهند، وكشمير، والفلبين وبورما وفي سائر البقاع يا رب العالمين! اللهم اجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية.

اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم احفظ ذرياتهم، وأقم على الحق والكتاب والسنة دولتهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً.