للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من يبني صومه على تربة هشة من المعاصي والذنوب]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، الحمد لله الذي لا يحمد في كل حال سواه، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، الحمد لله الذي بلغنا هذا الشهر الكريم، الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مئوي، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نرجو بها النجاة، شهادة الموحد له في ذاته وفي أسمائه وصفاته، شهادة الموحد له في ربوبيته وألوهيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن وجوهكم الرقيقة وأبدانكم الضعيفة على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة: ما تقولون في رجل أراد أن يبني بناية عظيمة فاختار أرضاً هشة، واختار تربة طينية، ثم بدأ في وضع بنائه، فلما استقام بناؤه، أخذ يجلب المواد اللازمة لإنشاء هذه البناية مواداً منتهية ومخلطة وسقيمة وضعيفة، أتظنون أن بناءً كهذا يثبت على الأرض؟ أم تظنون أن أعمدة لهذا البناء ترتفع شاهقة في السماء؟ لا والله، بل الذي نجزم به جمعياً أن بناءً كهذا ستسيخ قوائمه، وستغوص قواعده في الأرض، ثم يصبح مدفوناً، كذلك هذه الأعمدة الباسقة ستتحطم بعد أيام قليلة وستتهشم؛ لأن المواد التي أحضرت له مواد سيئة رديئة.

فأسألكم الآن بالله ما تقولون فيمن أراد أن يبني عبادة الصوم على تربة هشة من المعاصي والسيئات، وسماع الغناء، وحلق اللحى، والإسبال وترك الأمور من غير غيرة لله ولرسوله، ومن ضياع لأسرته وقلة ذكرٍ لله وارتفاع لأصوات الشياطين في بيته، ثم يدخل رمضان ويظن أن واجبه أن يأتي بسيارة معبأة محملة بألوان الأطعمة ثم يفرغها في بيته يظن أن هذا واجبه؟ هكذا بدأ بناء الصيام والعبادة على تربة هشة من الأفلام والمسلسلات والحلقات المتتابعة، وألوان الغناء وأجهزة الطرب، وسفور وتبرج وإصرار على معصية الله جل وعلا حتى ولو في الصغائر.

البعض يقول: ما هذا التشدد فيكم؟ ما هذا التعقيد فيكم؟! حديثكم عن حلق اللحى وحديثكم عن إسبال الثياب والغناء وكذا وكذا، نعم تكون هذا صغائر يوم أن يتوب الواحد منها، يوم ألا يصر عليها، لكن لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، أليس من جرَّ ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة، وما أسفل من الكعبين ففي النار؟ أليس حلق اللحى من الأمور التي حرمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أليس سماع اللهو والملاهي وأصوات الشياطين من الأمور المحرمة {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:٦] ليجعله مكان كلام الله جل وعلا؟ أليس هذا محرماً؟ ما تقولون فيمن اختار اللهو والغناء والطرب وفضله واشتاقه ومال إليه على كلام الله وكلام رسوله؟ أبعد هذا يكون الغناء محل خلاف؟ إن بعض الناس يقومون ببناء عبادة الصيام على هذه التربة الهشة والضعيفة من ألوان المعاصي والمحرمات والمنكرات في نفسه وسلوكه، وتجارته وأعماله وبيته، وفي زوجه وأولاده وبناته.