للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أكمل حالات الذكر]

الذكر أيها الأحبة: أكمل أحوال الذاكر فيه أن يكون العبد ذاكراً لله بلسانه، مستحضراً معنى الذكر بقلبه، فإذا انضاف إلى ذلك وقوع الذكر في عبادة، كصلاةٍ وجهادٍ وحجٍ وصيامٍ واعتكاف، كان الذكر في هذه الأحوال أكمل، ولو أن عامياً من العوام ذكر الله ذكراً لم يفقه معناه، فهو على أجرٍ عظيم، وخيرٍ عميم؛ لأن فضل الله واسع: ومن ذا يتحجر رحمة الله التي وسعت كل شيء.

أيها الأحبة في الله: عجباً لنا كيف نحرم حظاً ورزقاً وفضلاً عظيماً من هذا الذكر وهو عبادةٌ أجرها عظيم، ومؤنتها يسيرة؟! الذاكر يذكر ربه باللسان، لو أردت أن تحرك يدك بعدد حركات لسانك في يومٍ وليلة لكلت وملت وسقطت يدك في نصف نهار أو نصف ليلة، أكثر أعضاء البدن حركةً هو اللسان، فلو أردت أن تذكر الله بيدك، أو تمشي بخطىً تمضي إليها، أو تفعل أفعالاً ببدنك لقصرت همتك وقوتك دون ذلك، أما حركات اللسان فكثيرةٌ كثيرةٌ جداً، فسبحان من يحصيها: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] وبإمكانك أن تذكر الله هذا الذكر العظيم، بأخف جارحة تحركها، وهي جارحة اللسان.

كم يفوتنا من الأجر؟ -والله- لو عدت كلماتنا في القيل والقال، والمال والسؤال، والعيال والأحوال، لوجدناها ملايين الكلمات، ولو نسبنا مقدار ذكرنا لله إلى اشتغالنا بتلك الأحوال لما وجدنا الذكر بالنسبة لها إلا شيئاً يسيراً يسيراً، كم فاتنا من الأجر؟ كم فاتنا من الخير؟ كم فاتنا من الفضل؟ وسنقدم جميعاً حال نزع الروح ثم فراقها إلى دار جزاءٍ وليست بدار عمل، نتمنى لو ينشق القبر عنا لحظة، لنقول: لا إله إلا الله، لنقول: سبحان الله، أو نقول: الحمد لله.

فالذكر من أيسر العبادات، وأجلها وأفضلها، وحركة اللسان أخف حركات الجوارح، ولو تحرك عضواً من أعضاء البدن في اليوم والليلة بقدر حركات اللسان لشق على البدن ذلك غاية المشقة، بل لا يستطيع ذلك ألبتة، فالذكر يسير، ومن دلائل يسره: أن كثيراً من العبادات لا تستطيع أداءها إلا على هيئة مخصوصةٍ وحالٍ مخصوصة، أما الذكر فلك أن تذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً وعلى جنبك وذاهباً وآيباً، وراكباً وغادياً، وراحلاً وحالاً، ومتنقلاً ومسافراًَ، الذكر عبادة، تستطيع أن تؤديها وأن تقوم بها في كل آنائك وفي كل أحوالك وذلك فضل الله، وذلك خيرٌ من الله لهذه الأمة وهو مشروعٌ لسائر الأمم قبلنا، ولكن كثيراً من الناس عن فضل الله غافلون.