للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دلائل فضل الذكر]

أيها الأحبة في الله: ومن دلائل فضل الله بهذا الذكر، وأن الله يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل: عبادة الأذكار، فأنت تقول: الحمد لله، فتكتب لك ثلاثون حسنة، أي جهدٍ أي مشقة؟ أي كلمة؟ أي عناءٍ تعبت فيه وأنت تقول: الحمد لله؟ هذا فيه دلالة على أن الله جواد كريم مفضال، وأن الله ليس بحاجة إلى أعمال العباد، فلو كان الله بحاجة أعمالهم لكان أعلى العبادات أجراً أعلاها كلفة ومشقة ومئونة، فأنت ترى الذكر عبادةً يسيرة عليها فضلٌ عظيم.

قال العز بن عبد السلام رحمه الله: وفي هذا أن الثواب لا يترتب على شكل العمل أو هيئته، قال ربنا جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:٣٥].

فمن هم الذاكرون؟ علنا أن نكون منهم! ومن هنّ الذاكرات؟ علّ بناتنا ونساءنا وأزواجنا يكنّ منهن، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه وغدا أو راح من منزله ذكر الله] وقال مجاهد: [حتى يذكر الله قائماً وقاعداً] وقال ابن الصلاح: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً، كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

ولكن اعلم أنك تنال هذا الأجر بعبادةٍ يسيرةٍ أيضاً، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم (إذا أيقظ الرجل أهله، فصليا من الليل جميعاً، كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) رواه أبو داود والنسائي والحديث صحيح.

والذكر أيها الأحبة! فضله عظيمٌ عظيم جداً، ففي هذا الحديث تعلمون قيمة ما تذكرون بألسنتكم من فضل الله ونعم الله وآلاء الله، وقيمة ما تسألون به الله جل وعلا.

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملككم وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة، والحديث صحيح.

وفي هذا الذكر -كما مر معنا-: أن يكون العبد دائماً في ملأ الله الأعلى، يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقةٍ من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟! قالوا: -والله- ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم ملائكته) رواه الإمام مسلم.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله جل وعلا) رواه الإمام أحمد والحديث صحيح.