للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يتركه الذكر من أثر في قلب الذاكر]

وذكر الله أيها الأحبة! يكسبُ العبد خوفاً وإنابةً وخشيةً ورجوعاً إلى الله، فأنت حينما تقول لرجلٍ غافل: اتق الله، أخوفك بالله، أدعو عليك، أفعل بك، فإنه لا يأبه بك، ولكن يوم أن تقول لرجلٍ ذكّارٍ شكار ذاكرٍ شاكر: اتق الله يوم تلقى الله؛ يضطرب ويهتز ويراجع نفسه ألف مرة حتى وإن لم يظهر على لسانه علامات الرجوع أو التراجع.

هذا كان جلياً واضحاً في سلف الأمة، وخلفائها الراشدين، والمقامُ يضيق بالأمثلة، وحسبكم مثالاً واحداً على أن الذكر يكسب أصحابه الخوف والخشية من الله.

جاء أعرابيٌ إلى عمر بن الخطاب رضي الله، وكان ذلك الأعرابي فقيراً ذا متربة، مسكيناً لا يجد شيئاً، فلما قدم الأعرابي على عمر، قال:

يا عمر الخير جزيت الجنه اكسو بنياتي وأمهنه

وكن لنا في الزمان جنة أقسم بالله لتفعلنه

فقال عمر رضي الله عنه: [وإن لم أفعل يا أعرابي يكون ماذا؟!] فقال الأعرابي:

إذاً أبا حفص لأمضينه

فقال عمر: وإن مضيت فماذا يكون؟ فالتفت الأعرابي إلى عمر رضي الله وقال: يا عمر:

إذاً والله عنهنّ لتسألنه يوم تكون الأعطيات مِنه

وموقف المسئول بينهنه إما إلى نارٍ وإما جنه

فبكى عمر حتى بلَّ دمعه لحيته، واضطرب من هذا الكلام، خوف بالآخرة، فدخل داره يصول ويجول، يبحث عن طعام أو صدقةٍ يعطيها هذا الأعرابي فلم يجد، فعاد إليه ونزع رداءه وقميصه وقال يا إعرابي! خذ: هذا ليومٍ تكون الأعطيات فيه منة

وموقف المسئول بينهنه إما إلى نارٍ وإما جنه

لو قيل هذا الكلام لمن لا يذكر الله، أو ليس لله في قلبه وقار: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:١٣] لقال: اذهب، ولو خوف بالسؤال لقال: أنا مستعدٌ للجواب، ولو قيل له ما قيل، لرد بكل إجابةً باردة، أما الذين يخافون الله جل وعلا، فإذا خوفوا بالله خافوا.

كان عمر: إذا قيل له اتق الله، اضطرب وبكى وعرفت الخشية في وجهه رضوان الله عليه.