للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة التيسير في الشريعة الإسلامية]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها المسلمون! لقد جعلنا الله خير الأمم، حيث قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] وجعلنا هداة للإنسانية إذا هي ضلت، ومنقذين للبشرية إذا هم على الهلاك أشرفوا، وموجهين الناس إلى الخير، ومرشدين لهم إذا تفرقت بهم سبل الضلال، أو وقعوا في الانحراف عن الصراط المستقيم، وكذلك يوم القيامة نحن شهود على الخلق، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣].

فعارٌ علينا أن نتخلى عن هذه المنزلة الرفيعة، التي شرفنا الله بها، أو أن نضيع هذه الوظيفة التي كلفنا بها، أو نهبط إلى مستوى المقلدين والسذج، أو الببغاوات والقرود، إن من رحمة الله عز وجل بنا أن هدانا لهذا الدين الذي جاءت شريعته الكاملة لتحقق مصالح العباد، وتدرأ عنهم المفاسد وتحميهم منها، لقد قامت هذه الشريعة على رفع الحرج والمشقة، وعلى اليسر في الأمور كلها.

لكن الاحتجاج بالتيسير والتسهيل، على التحلل من أحكام الشريعة، أو التحايل عليها واتباع الهوى في الأخذ بالرخص والغرائب الفقهية الشاذة التي لا تستند إلى دليل صحيح، كل ذلك باطل وتلبيس وتضليل يرفعه أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات ويلوحون به، لتمرير فسادهم وشهواتهم، يريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد.

نعم إن الله يريد بنا اليسر، لكن الأعداء كما قال تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:٢٧] إن من رحمة الله أنه عز وجل لم يكل مصالح العباد إلى أهواء البشر وشهواتهم، بل وضع شريعة كاملة مبرأة من الجهل والهوى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:٧١].