للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعوة من أجلِّ الأعمال

إن بعث النار -كما هو في الحديث المعروف- من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فإذا كنت من أمة محمد فنسأل الله أن نكون وإياك ذلك الواحد في كل ألف، فهذه نعمة عظيمة؛ واعرف شرف الله لك، واعرف تفضيل الله لك، فوق ما أُكرمت به: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:٧٠] فوق هذه الكرامات أنك واحد من عباد الله المؤمنين المسلمين الذين نالوا شرف هذه الدعوة إلى الله، ولذلك لما سئل أحد السلف: أي الأعمال أجلُّ أن نشتغل بها؟ قال: اشتغلوا بدلالة خلق الله إلى الله جل وعلا.

وليس هذا كثيراً على الدعوة إلى الله، فالله قد أثنى على الدعاة، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.

قال جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].

وقال جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨].

وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى هدى فله أجره، وأجور مَن عمل به إلى يوم القيامة).

يا إخوان! شتان بين العبادة والدعوة، إن العابد مهما قام الليل كله، وصام النهار كله؛ لا يستطيع أن يضيف إلى رصيد وسجل أعماله إلا أعماله وحده فقط، أما الداعية فهو يضيف في كل يوم وفي كل ليلة سجود الساجدين المهتدين بدعوته، وصلاة المصلين المهتدين بدعوته، وصيام الصائمين المهتدين بدعوته، وبر البارين المهتدين بدعوته، وصلة الذين وصلوا أرحامهم والذين اهتدوا بدعوته، إذاً فأنت تضيف إلى رصيدك أعمالاً فوق ما يضيفه العُبَّاد، ناهيك عما ينبغي لك من عناية واجتهاد في أن تتزود بزاد العبادة: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:٦] لأن الأمر ثقيل، ولأن المهمة شاقة، فالحاجة إلى العبادة ليتزود الإنسان.