للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التكذيب بالقدر]

معاشر المؤمنين! ومن الأمور التي هي سبب لإحباط الأعمال، وإتلاف الثواب: التكذيب بالقدر، فإن من الناس قد يستهزئ ويستهتر، وقد يكذب بالقدر وهو لا يدري، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق لوالديه، ومنَّان، ومكذب بالقدر).

وعن زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، عذبهم وهو غير ظالم لهم.

ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله، ما قبله الله منك، حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن لصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار).

فليسمع هذا الحديث أولئك الذين يعترضون ويتسخطون ويدعون بالويل والثبور من أقدار الله جل وعلا.

إذا أصيب أحدهم ببلية، أو نزلت به نازلة، قال: لماذا فُعِل بي هذا؟! وما الذي فعلتُ؟! أين المجرمون؟! أين الفجرة؟! أين الفساق؟! لماذا يتنعمون وأنا الذي أُبتلى؟! لماذا يصِحُّون وأنا المريض؟! لماذا هم أغنياء وأنا فقير؟! لماذا هم أحرار وأنا أسير؟! لماذا لماذا لماذا يكرر التسخط والتشكي، ولا يلبث المخلوق إلا أن يشكي الخالق إلى المخلوق، مسكين من فعل هذا! إن الشيطان يدعوه إلى أن يضيِّع عليه أجر المصيبة.

إن الله جل وعلا ما أصاب عبداً من عباده إلا وجعل له في المصيبة أموراً كثيرة: الحمد لله أن لم تكن المصيبة في دينك، الحمد لله أن لم تكن أعظم، الحمد لله الذي جعل لك بها طهوراً وتكفيراً ورفعة في الدرجات والحسنات، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من هَمٍّ ولا نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، حتى الشوكة يُشاكها الرجل إلا كفَّر الله بها عن سيئاته).

فما أصابك من أمر من أمور الدنيا في نفسك أو مالك أو ذريتك أو أحبابك فاحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، واحمد الله الذي يُحمد على كل حال، ولا تكن ساخطاً، لا تكن جزعاً، لا تكن متشكياً، فتلبث أن يضيع أجر المصيبة عليك، والشيطان كثيراً ما يجعل الإنسان يُوَلْوِل ويصيح ويهرول ويدعو بالويل والثبور، ظناً أن هذا تعبير عن المصيبة؛ لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النياحة، وعن شق الجيوب، ولطم الخدود، وعن الاعتراض والتسخط عند المصيبة، وبين صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

فاصبر لكل قدر من أقدار الله، وارضَ بما قسم الله: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، أو قد قسمه الله لك، جفت الأقلام وطويت الصحف).